صفحة:معاوية بن أبي سفيان.pdf/106

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.
النشأة والتكوين

ومدار الطموح كله في نفس معاوية على هذه الخصلة التي جعلت تراث القوم كله رهيا بمزاياهم الاجتماعية، وجعلت هذه المزايا كلها رهينة بمظاهر الرئاسة والسيادة. ونحن نعرف ما تعلمه في صغره مما كان يعلمه في كبره؛ إذ لم تجر عادة الرواة والمؤرخين في الجاهلية بالتحدث عن الأطفال الصغار، إلا ما جاء عرا في أثناء الكلام عن آبائهم وكبارهم، ولا استثناء في ذلك لأبناء الأسر والبيوتات، ومن ترشحهم أحسابهم المكان الرئاسة بعد بلوغهم مبلغ الرجال، ولعله لم يكن إهمال من الرواة والمؤرخين واستصغارا لأمر أولئك الأطفال، وإنما كان سكوئا منهم عن أمر معلوم على وجه التعميم يشترك فيه الناشئة من أبناء البيوتات جميعا، ولا ينفرد فيه أحد منهم بتعليم خاص الوظيفة خاصة. وقد تعلم معاوية القراءة والكتابة والحساب، وتتفق الأخبار على كتابته للنبي عليه السلام - ولا تتفق على كتابته للوحي، ولا على حفظه لآيات من القرآن تلقاها من النبي، كما كان كتاب الوحي يتلقون الآيات لساعتها، والأرجح أنه لم يكن معروا بحفظ شيء من كتابة الوحي في أيام جمع القرآن الكريم، ولو علم عثمان - وهو من ذوي قرابته - أن عنده مرجعا من المراجع يثوب إليه، فرجع إليه كما و رجع إلى غيره. وتعليم معاوية فيما عدا ذلك من سماع أشعار العرب وأمثالهم، والإلمام بأخبار أيامهم، كتعليم غيره من علية قومه، إلا أنه كان على شغف خاص بالاستماع إلى سير الملوك، ووقائع الأمم وأطوال الدول الغابرة، وربما قرئت له هذه السير من كتب يونانية أو فارسية يقرؤها له من يعرف لغاتها، وقد سمع بعبيد بن شرية الجرهمي، وعلم أنه تواريخ التبابعة والأكاسرة، فأرسل يستقدمه من صنعاء، وأمره بكتابة ما وعاه من تلك التواریخ، فألف له كتاب «الملوك وأخبار الماضين» ... وهو أول كتاب يحدث عن فحواه. يعي وبلاغة معاوية في كلامه بلاغة سوية لا تعلو، ولا تسف عن بلاغة أمثاله ونظرائه: يبين عما يقصد، ويحتفل بالقول، فينقاد له طبعه الميسر للعربي الفصيح من أبناء عصره، ومن رسائله المحفوظة رسالة إلى زياد بن أبيه يتوعده فيها، ويدعوه إلى الطاعة وأخذ البيعة ممن يليه، ويقول منها: . إنك عبد كفرت النعمة واستدعيت النقمة، ولقد كان الشكر أولى بك من الكفر، وإن الشجرة لتضرب بعرقها، وتتفرع من أصلها، لا أم لك، بل

لا أب لك، قد هلكت وأهلكت وظننت أنك تخرج من قبضتي ولا ينالك سلطاني، هيهات!

105