صفحة:معاوية بن أبي سفيان.pdf/10

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تم التّحقّق من هذه الصفحة.
تقدير وتصدير

ومنهم من يحب الناجحين بالمنافع؛ لأنه يتمنى أن ينجح على مثالهم، ولا ينكر النجاح إذا جاءه بوسيلة كوسيلتهم.

ومنهم من يبلغ بهذه الخصلة حد التعصب والغيرة العمياء؛ لأنه يكره أن يدان الناس، أو تقاس الأعمال بمقاييس المثل العليا فيلوم نفسه، ولا يقدر على التماس المعذرة لها في نقيصتها، أو في طبيعتها التي لا فكاك منها.

إذا استسلم أحدهما مع الهوى لمحاباة ولده أو ذوي قرباه لم يعذلوه أو لم يعنفوه في عذله، بل اتخذوا من ذلك شريعة يؤتم بها، وتجري الوتيرة1 عليها …

وماذا في هذا الصنيع عندهم مما يستغرب؟ كان على الرجل أن ينسى ابنه؛ ليفضل عليه الغرباء عنه؟ أليس هذا الصنيع صنيع كل إنسان في هذا المكان؟ …

يعذرون هنا بل لا يلومون، ولا ينفرون ممن يلومونه إن جاملوا «الظواهر» فلاموه.

أما خصمه المثالي فمعدود عليه أن يحابي نفسه فضلًا عن محاباة ولده، ومعدود عليه أن يهبط من السماوات العلا لحظة واحدة؛ ليشبه سائر الناس في نقيصة من النقائص أو أمل من الآمال.

ولا حاجة إلى إمعان في البحث للكشف عن خبيئة الطبيعة النهازة في هذه التفرقة بين الحكم على النفعيين والحكم على المثاليين.

إن الطبيعة النهازة لا تريد هنا أن تحكم، وأن تنصف بين خصمين.

إنها تريد أن تعذر نفسها لتقول: إن ذلك المثالي ناقص، وإن هذا النفعي يجري على العرف الشائع بين جميع الناس؛ ولهذا يتناول النهاز الميزان وهو يتعمد أن يزيد في ناحية من السيئات ويحط من الحسنات، ويتعمد في الناحية الأخرى أن يقلب الكفة، فيزيد على الحسنات ويحط من السيئات …

ويكفي أن ينسب إلى العظيم المثالي عمل من الأعمال التي لا يقدر عليها النهاز، ولا يسعى إليها ليشعر النهاز بالاختلاف والجفوة2 بينه وبين ذلك العظيم المثالي، ثم يشعر بنوع من القرابة والألفة بينه وبين خصمه، فيميل إلى سماع الأحدوثة الحسنة عن هذا، ولا يميل إلى سماعها عن ذلك، ويضطره إلى ذلك وقوفه بين طريقين: أحدهما غريب يصغره في نظر نفسه، والآخر مألوف يطرقه كل يوم، أو يحب أن يطرقه غير ملوم بينه وبين دخيلته …


  1. الوتيرة: الطريقة المطردة يدوم عليها الشيء.
  2. الجفوة والجفاء: البعد، وترك الصلة، والغلظ في العشرة، والخرق في المعاملة.
٩