ترجمة أبى نصر الفارابي بستان بدمشق وهو على ذلك دائم الاشتغال بالحكمة والنظر فيها والتطلع إلى آراء المتقدمين وشرح معانيها وكان ضعيف الحال حتى انه كان في الليل يسهر للمطالعة والتصنيف ويستضيء بالقنديل الذي للحارس ويقي في كذلك مدة ثم انه عظم شأنه وتظهر فضله واشتهرت تصانيفه وكثرت تلاميذه وصار أوحد زمانه وعلامة وقته واجتمع به الامير سيف الدولة أبو الحسن على بن عبد الله بن حمدان التغلبي وأكرمه اكراماً كثيراً و عظمت منزلته عنده وكان له مؤثراً . . ونقلت خط بعض المشايخ ان أبا نصر الفارابي سافر الى مصر سنة ثمان من اليوم وثلاثمائة ورجع الى دمشق وتوفي بها في رجب سنة تسع وثلاثين وثلاثمائة عند سيف الدولة علي بن حمدان في خلافة الراضى وصلى عليه سيف الدولة في خمسة عشر رجلا من خاصته ويذكر انه لم يكن يتناول من سيف الدولة من جملة ما ينعم عليه سوي أربعة دراهم فضة في ا يخرجها فيما يحتاجه من ضروري عيشه ولم يكن معتنياً بهيئة ولا منزل ولا مكسب ويذكر أنه كان يتغذي بماء قلوب الحملان مع الخمر الريحانى فقط ويذكر أنه كان في أول أمره قاضياً فلما شعر بالمعارف نبذ ذلك وأقبل بكليته على تعلمها ولم يسكن الى شئ من أمور الدنيا البتة ويذكر أنه كان يخرج الى الحراس بالليل من منزله يستقى بمصايحهم فيما يقرؤه وكان في علم صناعة الموسيقى وعملها قد وصل الى غاياتها وأتقنها اتقاناً لا من يد عليه ويذكر انه صنع آلة غريبة يسمع منها ألحاناً بديعة يحرك بها الانفعالات ويذكر ان سبب قراءته الحكمة ان رجلا أودع
صفحة:مجموعة فلسفة أبي نصر الفارابي.pdf/8
المظهر