كتاب الجمع بين رأى الحكمان في أن بين الاعتقادين خلافاً والأمر كذلك لأن من مذهب الحكماء والفلاسفة أن يفرقوا بين الأقاويل والقضايا في الصناعات المختلفة فيتكلمون على الشيء الواحد في صناعة بحسب مقتضي تلك الصناعة ثم يتكلمون على ذلك الشيء بعينه في صناعة أخرى بغير ما تكلموا به أولا وليس ذلك ببديع ولا مستنكر اذ مدار الفلسفة على القول من حيث ومن جهة ما كما قد قيل أنه لوارتفع من حيث ومن جهة ما بطلت تلك العلوم والفلسفة الاترى أن الشخص الواحد كسقراط مثلا يكون داخلا تحت الجوهر من حيث هو انسان وتحت الكم من حيث هو ذو مقدار وتحت الكيف من حيث هو أبيض أو فاضل أوغير ذلك وفي المضاف من حيث هو أب أو ابن وفى الوضع من حيث هو جالس أو متك وكذلك سائر ما أشبهه فالحكيم ارسطو طاليس حيث جعل أولى الجواهر بالتقديم والتفضيل أشخاص الجواهر انما جعل ذلك في صناعة المنطق وصناعة الكيان حيث راعي أحوال الموجودات القريبة الى المحسوس الذي منه يؤخذ جميع المفهومات وبها قوام الكلي المتصور وأما الحكيم أفلاطون فانه حيث جعل أولى الجواهر بالتقديم والتفضيل الكليات فانه انما جعل ذلك كذلك فيما بعد الطبيعة وفي أقاويله الالهية حيث كان يراعي الموجودات البسيطة الباقية التي لا تستحيل ولا تدثر فلما كان بين المقصودين فرق ظاهر و بين الفريقين بون بعيد. و بين المبحوث عنهما خلاف فقد صح ان هذين الرأيين من الحكيمين متفقان لا اختلاف بينهما إذ الاختلاف انما يكون حاصلا ان حكما على
صفحة:مجموعة فلسفة أبي نصر الفارابي.pdf/47
المظهر