7 أفلاطون . وارسطاطاليس وتقويمها أول ما يبتدئ به الانسان حتى اذا أحكم تعديلها وتقويمها ارتقى منها الى تقويم غيرها ثم لما لم يجد في نفسه من القوة ما يمكنه الفراغ مما يهمه من أمرها أفنى أيامه فى أهم الواجبات عليه عارماً على أنه متى فرغ من الأهم الأولى أقبل على الأقرب الأدنى حسب ما أوصى به في مقالاته في السياسات والأخلاق وان ارسطو طاليس جرى على مثل ماجري عليه أفلاطون في أقاويله ورسائله السياسية ثم لما رجع إلى أمر نفسه خاصة أحس منها بقوة ورحب ذراع وسعة صدر وتوسع أخلاق وكمال أمكنه معها تقويمها والتفرغ للتعاون والاستمتاع بكثير من المدنية فمن تأمل هذه الأحوال علم أنه لم يكن بين الرأيين والاعتقادين خلاف وان التباين الواقع لهما كان سببه نقص في القوى الطبيعية في أحدهما وزيادة فيها في الآخر فلاغير على حسب مالا يخلو منه كل الاثنين من أشخاص الناس اذ الأكثرون قد يعلمون ما هو آثر وأصوب وأولى غير انهم لا يطيقونه ولا يقدرون عليه وربما أطاقوا البعض وعجزوا عن البعض ومن ذلك أيضاً تباين مذهبهما في تدوين العلوم وتأليف الكتب وذلك ان افلاطون كان يمنع في قديم الأيام عن تدوين العلوم وايداعها بطون الكتب دون الصدور الزكية والعقول المرضية فلما خشى على نفسه الغفلة والنسيان وذهاب ما يستنبطه وتعسر وقوفه عليه حيث استغزر علمه وحكمته وتبسط فيها فاختار الرموز والالغاز قصداً منه لتدوين علومه وحكمته على السبيل الذي لا يطلع عليه الا المستحقون لها
صفحة:مجموعة فلسفة أبي نصر الفارابي.pdf/44
المظهر