صفحة:عبقرية محمد (1941).pdf/9

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.

وايتاء العظمة حقها لازم في كل آونة1 وبين كل قبيل .. ولكنه في هذا الزمن وفي عالمنا هذا ألزم منه في أزمنة أخرى ، لسببين متقاربين لا لسبب واحد : أحدهما أن العالم اليوم أحوج مما كان إلى المصلحين النافعين لشعوبهم وللشعوب كافة .. ولن يتاح لمصلح أن يهدي قومه وهو مغموط2 الحق معرض للجفوة3 والكنود4.

والسبب الآخر أن الناس قد اجترأوا على العظمة في زماننا بقدر حاجتهم الى هدايتها .. فان شيوع الحقوق العامة قد أغرى أناسا من صغار النفوس بإنكار الحقوق الخاصة ، حقوق العلية5 النادرين الذين ينصفهم التمييز وتظلمهم المساواة .. والمساواة هي شرعة6 السواد7 الغالبة في العصر الحديث.

* * *

ولقد جار هذا الفهم الخاطئ للمساواة على حقوق العظماء السابقين، كما جار على حقوق العظماء من الأحياء والمعاصرين، ثم أغرى الناس بالجور8 بعد الجور غرورهم بطرائف العصر الحديث ، واعتقادهم انه قد أتى بالجديد الناسخ9 للقديم في كل شيء .. حتى في ملكات النفوس والأذهان، وهي مزية خالدة لا ينسخ فيها الجديد القديم.

يرون أن البخار يلغي الشراع10، وربما كان الاختراع السابق أدل على القدرة وأبين عن الفضل من الاختراع الذي تلاه ، ولم يكن ليتلوه لولا ما تقدم عليه ..

وينظرون إلى أقطاب الدنيا كأن الأصل في النظر إليهم أن يتجنوا عليهم ويثلبوا11 كرامتهم، ولا يثوبوا12 الى الاعتراف لهم بالفضل الا مكرهين، بعد أن تفرغ عندهم وسائل التجني والثلب والافتراء13.

هذه الآفة حِطَّةٌ تهبط بالخلق الإنساني إلى الحضيض14، وتهبط بالرجاء في اصلاح العيوب الخلقية والنفسية الى ما دون الحضيض ..


  1. اي وقت
  2. غمط الناس : احتقارهم وازدراؤهم
  3. المراد : الهجر والغلظة
  4. كفران النعمة والتنكر للفضل
  5. جمع علي وهو الشريف الرفيع
  6. شريعة
  7. سواد الناس : عوامهم
  8. الظلم
  9. المزيل
  10. شراع السفينة
  11. يعيبوا
  12. يرجعوا
  13. الاختلاق
  14. القرار من الأرض عند منقطع الجبل
٩