صفحة:عبقرية محمد (1941).pdf/56

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

كان عليهم أن ينظروا هنالك بعين النبي الى جيشين.. أحدهما فيه السلاح والخيل والعدد، والآخر في ثلث من يقاتلونه عددا، ويكاد أن يتجرد من كل سلاح غير السيف ومن كل مطية غير الاقدام.. وكان عليهم أن يلمسوا اشفاق النبي من عاقبة هذه الوقعة، ويستمعوا اليه و هو يناشد ربه: « اللهم هذه قريش قد أتت بخيلها وخيلائها1 تكذب رسولك اللهم فنصرك الذي وعدتني.. اللهم أن تهلك هذه العصابة اليوم لا تُعبد..»

و كان عليهم أن ينظروا اليه، وقد مد يديه وشخص2 ببصره، وجمع نفسه في صلاته.. حتى جعل رداؤه يسقط عن منكبيه3 وأبو بكر يرده ويناديه: « بعض مناشدتك ربك فان الله منجز لك ما وعدك.. وهو لا يلتفت الى سقوط ردائه ولا الى مناداة صفيه، لاستغراقه في الدعاء..».

وكان عليهم أن يعلموا حرص قريش أن يستبقوا رجالا منهم يرجعون الى مكة قبل المعركة أو بعدها ليثابروا على مناو أة4 النبي، واعادة الكرة عليه حتى لا يهدأ له بال بعد الصبر على هذا الجهد ، وليس الصبر عليه بيسير..

* * *

كان على الناقدين أن يعلموا هذا كله ليعلموا أن الشعور بالفرح في مثل هذا الموقف العصيب أمر لا غرابة فيه، وانه شعور مطبوع في نفس حية تجاوب كل ما يحيط بها من بواعث الحياة في مواقف السلم أو مواقف القتال، فأول ما يبادر النفس الحية من شعور مطبوع صادق في ذلك الموقف أن تغتبط بالنصر، وتخرج من الضيق الى الفرج، وتنظر في ساحة الحرب الى من قضى فيها من قريش ومن عاد منها الى وكره ليعيد الكرة ويستأنف الايذاء والمكيدة، وأن ترى ما هي تلك الأسلاب5 والغنائم التي أوشكت أن تفتن بعض المقاتلين، لأنها أول شيء شهدوه من نوعه، ولما يتنزل حكم الدين في سلب أو غنيمة.

أن محمدا رجل حي جياش النفس بدوافع الحياة، وليس

بناسك مهزول من نساك الصوامع الذين يكبون في جوانحهم6


  1. اي كبريائها
  2. فتح عينيه وجعل لا يطرف
  3. المنكب : مجمع عظم العضدوالكتف
  4. معاداة
  5. ما سلب في ساحة الحرب من الاعداء
  6. الجوانح: الاضلاع التي تحت الترائب وهي مما يلي الصدر ، والمراد : القلوب
۵٦