صفحة:عبقرية محمد (1941).pdf/55

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.

وقعوا في أيدي من يتولى عقابهم من الغالبين. جاز هذا في كل قانون، وجاز أن يحاسب المغلوب على جرائمه التي ليست هي من فروض القتال أو من مباحاته في شيء.. وفرق بين معاملة هؤلاء ومعاملة أسير كل ما تعلمه في شأنه أنه جندي لا بغضاء بينك و بينه قبل حمل السلاح ولا بعد وضع السلاح، وليس في عمله محل للثأر والمحاسبة بعد انقضاء واجبه و هو القتال الشريف . أما رؤية القتلى في ساحة الحرب ، فقد نسي فيها أولئك الناقدون أن اغتباط1 المنتصر بفوزه طبيعة انسانية لا غضاضة2 فيها.. ما لم تجاوز حدها الى الفرح برؤية الدماء لمحض الفرح برؤية الدماء. وهذا ما لم يزعمه أحد من شاهدي المعركة عن النبي عليه السلام، ولا نم عليه كلام أحد من المشركين أو المسلمين.

* * *

ونسي أولئك الناقدون كذلك أن الرجل الذي يرى الدم في المدنية العصرية، غير الرجل الذي يرى الدم في حروب البادية وفي حياة البادية على الاجمال .. ونعني بها حياة الرعاة التي تتكرر فيها اراقة الدم كل يوم، وحياة القبائل التي كانت تغزو وتغزى في كثير من الأيام..

فانك لا ترمي بالقسوة طبيبا قد ألف النظر إلى الجثث وأشلائها والأجسام الحية وجراحها.. لأن الطب لن يكون في الدنيا رحمة من الرحمات إن لم يألف الاطباء هذه المناظر و يملكوا چأشهم3 وهم يفتحون أعينهم عليها. ولكنك قد ترمي بالقسوة انسانا لم تقع عينه على منظر مثلها ثم هي تفاجئه فلا ينفر منها وما من رجل عاش في البادية وشهد غزوة من غزواتها يمكن أن يقال فيه أن ساحة الحرب تفاجئه بما لم يكن يراه، أو بما يستلزم النظر اليه قسوة في الطباع واستراحة الى رؤية الدماء.

كان على أولئك الناقدين أن يشهدوا بدرا، لينظروا بعين النبي الى عواقب هذه الوقعة التي أوشكت أن تصبح الوقعة الحاسمة في تاريخ الاسلام..


  1. سرور
  2. ذلة ولا منقصة
  3. رواع القلب الا اضطراب عند الفزع
۵۵