صفحة:عبقرية محمد (1941).pdf/52

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.

خصائص العظمة

لكن للعظمة خصائص تدعو الى العجب، وان كانت معروفة الأسباب.. وناهيك 1 بالعظمة التي ترتقي هذا المرتقی.

فمن تلك الخصائص انها قد توصف بالنقيضين في وقت واحد.. لأنها متعددة الجوانب، فيراها أناس على صورة، و يراها غيرهم على صورة أخرى، وربما رأتها العين الواحدة على اختلاف في الوقتين المختلفين..

ولأنها تبعث الحب الشديد كما تبعث البغض الشديد، و بين الطرفين مجال للاعتدال يستقيم للراشدين، ومجال للمغالاة2 من هنا وللمغالاة من هناك.. ولأنها عميقة الأغوار3 فلا يسهل استبطانها4 لكل ناظر، ولا يتأتى تفسيرها لكل مفسر.

وهذا اذا سلمت النفوس من سوء النية.. فأما اذا ساءت النيات وران5 الهوى على البصائر فلا عجب اذن في الضلال.

* * *

ومن خصائص العظمة النبوية في محمد عليه السلام أنه وصف بالنقيضين على السنة المتعصبين من أعداء دينه .. فهو عند أناس منهم صاحب رقة تحرمه القدرة على القتال، وهو عند أناس آخرین صاحب قسوة نضرية6 بالقتل واهدار الدماء البشرية في غير جريرة7 ، وتنزه محمد عن هذا وذاك..

فاذا كانت شجاعته عليه السلام تنفي الشبهة في رقة الضعف والخوف المعيب، فحياته كلها من طفولته الباكرة تنفي الشبهة في القسوة والجفاء.. اذا كان في كل صلة من صلاته بأهله أو بمرضعاته أو بصحبه أو بزوجاته أو بخدمه مثلا للرحمة التي عز نظيرها في الأنبياء.

ولا نقف كثيرا عند الحوادث التي ذكرها المتعصبون ليستدلوا بها على أهدار الدماء في غير جريرة. فأكثرها لم يثبت قط ثبوتا يقطع الشك فيه، ولا سيما القول بتحريض النبي عليه السلام على قتل عصمناء بنت مروان اليهودية لأنها كانت تهجو


  1. ناهيات منه، بمعنی حسب
  2. تجاوز الحد
  3. غور كل شيء، قعره
  4. بطن الامر، عرف باطنه
  5. غلب
  6. تغريه
  7. جناية وذنب
٥٢