صفحة:عبقرية محمد (1941).pdf/41

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.

المأثورات النبوية على أتم أصولها التي تلاحظ في أمثالها ، ومن ذلك أنه عليه السلام بعث عبد الله بن جحش ومعه كتاب أمره ألا ينظر فيه حتى يسير يومين ، وفحواه أن « سر حتى تأتي بطن نخلة على اسم الله وبركاته ، لا تكرهن أحدا من أصحابك على المسير معك ، وامض فيمن تبعك حتى تأتي بطن نخلة فترصد بها عير قريش وتعلم لنا من أخبارهم». وهذا نموذج من الأوامر المختومة جامع لكل ما يلاحظ فيها حديثا وقديما وعند بداءة الدعوات على التخصيص. فأولهما كتمان الخبر عمن يحيطون بالنبي عليه السلام ، فلا يبعد أن يكون منهم من هو مدخول النية عينا 1 عليه وعلى أصحابه من قبل قريش ، ولا يبعد أن يكون منهم من يبوح بالخبر ولا يريد به السوء أو يدرك ما في البوح به من الخطر المحظور ، ولا يبعد أن يكون الضعفاء والمخالفون وأن الاستعانة على قضاء الحاجات بالكتمان لسنَّة حكيمة من سنن النبي عليه السلام في جميع المطالب ، وهـي في حروب الدعوات على التخصيص أقمن 2 باتباع.. ولهذا كان اذا أراد غزوة ورى3 بغيرها على النحو الذي يتبعه قادة الحروب الى الآن.

ومما لوحظ في كتاب النبي لعبد الله بن جحش كتمان الخبر عن أصحابه ثم وصايته ألا يكره أحدا منهم على المسير معه بعد معرفته بوجهته ، وهذا هو أهم الملاحظات في هذا المقام. فقد يحارب الرجل وهو مكره مهدد بالموت الذي يتقيه اذ يفر من القتال ، ولكنه لا يستطلع وهو مكره ثم يفيد استطلاعه من أرسلوه ، بل لعله ينقلب الى النقيض فيحرف الأخبار عمداً ، أو يتلقاها على غير اكتراث 4 ، أو يطلع الأعـداء على أسرار أصحابه وهم غافلون عنه.

ولهذا تعاني الدول أكبر العناء في مراقبة الجواسيس بالجواسيس وفي امتحان كل خبر بالمراجعة بعد المراجعة والمناقضة بعد المناقضة ، حتى تطمئن الى صحته قبل الاعتماد عليه.

وفي الحرب الحاضرة تجربة جديدة لهذا النوع من المستطلعين أو الرواد المتقدمين..


  1. متجسسا
  2. أجدر
  3. وراه توريه، أخفاه
  4. أي اهتمام
٤١