صفحة:عبقرية محمد (1941).pdf/40

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.

السيف في وجهه، فإن الضرب بالسيف لأهون من المقتل الذي يضربون فيه.

تلك مقابلة مجملة بين الخطط والعادات التي سبق إليها محمد، وجرى عليها نابليون بعد مئات السنين، ومن الواجب أن نحكم على قيمة القيادة بقيمة الفكرة أو الخطة قبل أن نحكم عليها بضخامة الجيوش وأنواع السلاح.

لم يتخذ محمد الحرب صناعة، ولا عمد إليها كما أسلفنا إلا لدفع غارة واتقاء عداوة، فإذا كان مع هذا يُتْقِن منها ما يتولاه مدفوعًا إليه، فله فضل السبق على جبار الحروب الحديثة الذي تعلمها وعاش لها ولم ينقطع عنها منذ ترعرع إلى أن سكن في منفاه، ولم يبلغ من نتائجه بعض ما بلغ القائد الأمي بين رمال الصحراء.

ولقد كانت خبرة النبي ببعوث الاستطلاع كخبرته ببعوث القتال، فكانت طريقته في اختيار المكان والغرض، أو في اختيار القائد وتزويده بالوصايا والأتباع مثلًا يحتذى1 في جميع العصور، ولا سيما العصر الحديث الذي كثرت فيه ذرائع2 التخبئة والمراوغة وذرائع الكشف والدعوة، فكثرت فيه — من ثم — حاجة المقاتلين إلى استقصاء أحوال الأعداء.

ففي الحروب الحديثة يتردد ذكر الأوامر المختومة التي تصدر إلى قواد السرايا والسفن ليفتحوها عند مدينة معلومة أو بعد مسيرة ساعات أو في عرض البحر على درجة معينة من درجات الطول والعرض، إلى أمثال ذلك من العلامات التي تعين بها الجهات.

ويتفق في أمثال هذه البعوث أن يكون القائد وحده مطلعًا على سر البعثة، ورجاله جميعًا يجهلونه، ولا يعرفون أهم خارجون في غزوة أم في مناورة استطلاع، إلى ما قبل الحركة المقصودة بساعات معدودات، وهنالك تصدر الأوامر التي لا بد من صدورها للتهيؤ والتنفيذ، ولا خوف من كشفها في تلك الساعات لصعوبة الاستعداد الذي يقابلها به العدو إذا انكشف له قبل تنفيذها بفترة وجيزة، ولا سيما إذا كانت الحركة من حركات البحار ..

هذه الأوامر المختومة ليست بحديثة.. فقد عُرفت في


  1. يقتدى به
  2. وسائل
٤٠