صفحة:عبقرية محمد (1941).pdf/35

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.

الاستشارة، وقد يكون الأخذ بالمشورة الصالحة آية من آيات حسن القيادة تقترن بآية الابتكار 1 والإنشاء، لأن القيادة الحسنة هي القيادة التي تستفيد من خبرة الخبير كما تستفيد من شجاعة الشجاع، وهي التي تجند كل ما بين يديها من قوى الآراء والقلوب والأجسام.

وقد كانت غزوة بدر هي التجربة الأولى للنبي عليه السلام في إدارة المعارك الكبيرة، فلم يأنف 2 أن يستمع فيها إلى مشورة الحباب بن المنذر حين اقترح عليه الانتقال إلى غير المكان الذي نزل فيه، ثم وعى من تجربة واحدة ما قلَّ أن يعيَه القادة المنقطعون للحرب من تجارب شتى.. فلو تتبع حروبه عليه السلام ناقد عسكري من أساطين 3فن الحرب في العصر الحديث لِيقترح وراء خططه مقترحا، أو ينبه إلى خطأ، لأعياه التعديل. ونختار أبرع القادة المحدثين وهو نابليون بونابرت على أسلوب حرب الحركة الذي كان هو الأسلوب الغالب في العصور الماضية، والذي ظهر في الحرب العالمية الحاضرة أنه لا يزال الخطوة الأخيرة في جميع الحروب، على الرغم من الحصون والسدود.. لأن اختيار نابليون بونابرت يبين لنا السبق في خطط النبي العسكرية، بالمضاهاة 4بينها وبين خطط هذا القائد العظيم.

١- فنابليون كان يوجه همه الأول إلى القضاء على قوة العدو العسكرية بأسرع ما يستطيع، فلم يكن يعنيه ضرب المدن ولا اقتحام المواقع.. وإنما كانت عنايته الكبرى منصرفة إلى مبادرة الجيش الذي يعتمد عليه العدو بهجمة سريعة يفاجئه بها أكثر الأحيان، وهو على يقين أن الفوز في هذه الهجمة يغنيه عن المحاولات التي يلجأ إليها جلة 5القواد.

وعنده أنه يستفيد بخطته تلك ثلاثة أمور.. أن يختار الموقع الملائم له، وأن يختار الفرصة، وأن يعاجل العدو قبل تمام استعداده.. وكان النبي عليه السلام سابقا إلى تلك الخطط في جميع تفصيلاتها.. فكان كما قدمنا لا يبدأ أحدًا بالعدوان،


  1. الشيء الذي لم يسبق إليه
  2. يستنكف
  3. المراد : أفذاذ وعباقرة
  4. fالمشاكلة
  5. أي معظم
٣٥