صفحة:عبقرية محمد (1941).pdf/24

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تم التّحقّق من هذه الصفحة.

وجهتها الغاية التي بلغت، وانما العجب ممن يغفلون عن هذه الحقيقة أو يتغافلون عنها لهوى في الأفئدة، فيشبهون اليوم أولئك الجاهلين الذين أصروا أمس على الكفر به وحجبوا بأيديهم نوره عامدين .

نجاح الدعوة

ما من حركة كبرى في التاريخ تتضح للفهم ان لم يكن نجاح الدعوة المحمدية مفهوما بأسبابه الواضحة المستقيمة التي لا عوج في تأويلها، وما من شيء غير الغرض الأعوج يذهل صاحبه عن هذه الأسباب الطبيعية البينة، ثم يخيل اليه أن الدعوة الإسلامية كانت فضولا غير مطلوب في هذه الدنيا، وأن نجاحها مصطنع لا سبب له غير الوعيد والوعود أو غير الإرهاب بالسيف والإغراء بلذات النعيم ومتعة الخمر والحور العين.

أي إرهاب وأي سيف؟ ..

إن الرجل حين يقاتل من حوله انما يقاتلهم بالمئات والألوف وقد كان المئات والألوف الذين دخلوا في الدين الجديد يتعرضون لسيوف المشركين ولا يعرضون أحدا لسيوفهم، وكانوا يلقون عنتا ولا يصيبون أحدا بعنت، وكانوا يخرجون من ديارهم لياذا 1 بأنفسهم وأبنائهم من كيد الكائدين ونقمة الناقمين ولا يخرجون أحدا من داره.

فهم لم يسلموا على حد السيف خوفا من النبي الأعزل المفرد بين قومه الغاضبين عليه، بل أسلموا على الرغم من سيوف المشركين ووعيد الأقوياء المتحكمين .. ولما تكاثروا وتناصروا حملوا السيف ليدفعوا الأذى ويبطلوا الإرهاب 2 والوعيد، ولم يحملوه ليبدأوا واحدا بعدوان أو يستطيلوا على الناس بالسلطان.

فلم تكن حرب من الحروب النبوية كلها حرب هجوم، ولم تكن كلها إلا حروب دفاع وامتناع.

أما الاغراء بلذات النعيم ومتعة الخمر والحور العين .. فلو


  1. لاذ، أي لجأ
  2. البطش والظلم
٢٤