-1- .. تارکها ليقبل على الآخرة وكانت شجاعته في دينه أندر الشجاعات في النفوس الآدمية ... لأنها الشجاعة التي يواجه بها تهمة الجبن وهو أرذل من الموت عند الرجل الشجاع . فان كثيرا من الناس ليعدلون عن الصواب الذي يظهرهم بمظهر الخوف ليقل انهم شجعان ، وانهم عدولهم عنه لمن الجبناء المستعبدين للثناء ، ولم يكن يعدل عن صواب فهمه ولو قيل في شجاعته ما قيل ، وتلك أشجع الشجاعات عمر
(1) عنه رعیت فشا طاعون عمواس ، وعمر في طريقه إلى الشام ، فلقيه أبو عبيدة وأصحابه عند تبوك وأخبروه خبر الطاعون ، فاستشار المهاجرين والأنصار ، فاختلفوا بين ناصح بالمضي وناصح بالقفوا : ناصح بالمضي في طريقه يقول انه خرج لأمر ولا ری له أن ترجع ، وناصح بالقفول يقول انه اصطحب « بقية الناس وأصحاب رسول الله ولا يرى أن يقدمهم على وباء ) ... ثم دعا مشيخة قريش من مهاجرة الفتح فلم يختلف عليه رجلان وأشاروا جميعا بالرجوع . فقال أبو عبيدة : أفرارا من قدر الله ? قال عمر : نعم ، نفر من قدر الله الى قدر الله .. أرأيت لو كان لك ابل هبطت واديا له عدوتان، احداهما خصبة والأخرى جدبة ، أليس ان الخصية رعيتها بقدر الله ، وان رعيت الجدية رعيتها بقدر الله ... وما رام مكانه حتى جاءه عبد الرحمن بن عوف لحسم الخلاف برأى النبي في الخروج من أرض الطاعون والقدوم اليها حيث قال عليه السلام : و اذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه ، واذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا منها » فكان ايمانه بصيرا لا يهجم به على عمياء ولا يستسلم فيه استسلام العجزة وهو قادر على الحيطة والأخذ بالأسباب ، وكانت نصيحته العامة للمسلمين في أمر الطاعون کرايه الخاص في أمر نفسه وصحبه ، فأمرهم بالاستنقاذ ما وجدوا له سبيلا وكتب إلى أبي عبيدة : « انك قد أنزلت (۱) بالرجوع (۲) العدوة : جانب الوادي وحانته (3) أي لبث فيه ولم يغادره .. . .