قالت هند: والله إنك لتأخذ أمرًا ما تأخذه على الرجال، وسنؤتيكه١.
قال: ولا تسرقن.
قالت: والله إن كنت لأصيب٢ من مال أبي سفيان الهنة٣ والهنة، وما أدري أكان ذلك حلالًا لي أم لا.
قال أبو سفيان — وكان شاهدًا: أما ما أصبتِ فيما مضى، فأنت منه في حل.
فقال رسول الله: وإنك لهند بنت عتبة!
قالت: أنا هند بنت عتبة، فاعف عما سلف، عفا الله عنك.
فمضى رسول الله في أخذ البيعة وعاد يقول: ولا تزنين.
قالت: يا رسول الله، هل تزني الحرة؟
قال: ولا تقتلن أولادكن.
قالت: قد ربيناهم صغارًا وقتلتهم يوم بدر كبارًا، فأنت وهم أعلم..
فضحك عمر بن الخطاب حتى استغرب،٤ وكان قليل الإغراب في الضحك، فإن استغرب ضاحكًا بين حين وحين؛ فإنما يضحكه مثل هذه الفكاهة.
وعلى هذا النحو فكاهته مع خادمه أسلم وابنه عاصم: دخل عليهما، وهما يغنيان غناء يشبه الحداء٥، فوقف يستمع ويستعيد، وشجعهما إصغاؤه واستعادته، فسألاه: أيُّنَا أحسنُ صنعةً؟ قال: مثلكما كمثل حماري العبادي. سئل: أيهما شر؟ فقال هذا ثم هذا.
ومن فكاهته القوية تلك المزحة المرعبة التي أطار بها لب٦ الحطيئة ليكف عن هجاء الناس، فدعا بكرسي وجلس عليه، ودعا بالحطيئة فأجلسه بين يديه، ودعا بأشفى — أي مثقب وشفرة — يوهمه أن سيقطع لسانه، فضج٧ الحطيئة وتشفع الحاضرون فيه، ولم يطلقه حتى أخذ عليه عهدًا لا يهجونَّ أحدًا بعدها، واشترى منه أعراض المسلمين بثلاثة آلاف درهم،