صفحة:عبقرية عمر (المكتبة العصرية).pdf/68

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

من رجل أو امرأة أو طفل إلا عرف اسمه، وعرف مكانه، وعُرفت حصته من بيت مال المسلمين. وما من مجاهد إلا عرفت له رتبته من السبق والتقديم على حسب المراتب التي يمتاز بها الجنود؛ فالحاضرون في «الحديبية» يأتون بعدهم في التقديم، والذين اشتركوا في حرب الرِّدَّةِ يأتون بعد هؤلاء وهؤلاء، والذين حاربوا في معارك الروم والفرس ومعهم أبناء الغزاة في بدر يلحقون بمراتب هؤلاء المتقدمين، وَقِسْ على ذلك ما يليه من سائر المراتب في حقوق التقديم والتقسيم.

ثم هناك عمر بن الخطاب الذي عشر الجنود؛ أي جعلهم عشرات عشرات، ثم قسمهم إلى كتائب وبنود.

وهناك عمر بن الخطاب الذي لم يدبر قط تدبيرًا كبيرًا أو صغيرًا في شئون الدولة إلا بنظام لا يختل، أو على أساس لا يحيد. وقد كانت له طريقة الجند في التصريف السريع، الذي ينفذ إلى الغرض من أقرب طريق، فلما تشاور المسلمون ماذا يصنعون بسهيل بن عمرو — خطيب المشركين يومئذ وأقدر الخائضين١ منهم في الإسلام — قال عمر بن الخطاب: «يا رسول الله، انزع ثَنِيَّتَيه السفليين، فلا يقوم عليك خطيبًا أبدًا.» وكان سهيل أعلم — أي مشقوق الشفة السفلى — فإذا نزعت ثَنِيَّتاه، فقد عجز عن الخطابة من غير ما حاجة إلى عهد أو تحذير، أو شغل شاغل بإسكاته والرد عليه.

والقضاء لم يكن من لوازم «الطبيعة الجندية» وإن تولاه القادة والجند في أيام الفتن، والأيام التي تقام فيها الدول الناشئة، والنظم الجديدة.

ولكن كم من قضية لعمرَ بن الخطاب تذكرنا بالقضاء العسكري الذي يمنع الضرر من أقرب الطرق، ويحمي الأكثرين بالحد من حقوق الأقلين.

هتفت امرأة باسم نصر بن حجاج، وتمنت أن تشرب الخمر وتلقاه، فأرسل إليه، فإذا هو أحسن الناس شَعرًا وأصبحهم وجهًا، فأمره أن


  1. الذين يتحدثون في الاسلام بالباطل