صفحة:عبقرية عمر (المكتبة العصرية).pdf/67

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

رجلًا بذلك؟! أرأيته وهو يرى الناس يجتمعون بالمسجد في شهر رمضان أوزاعًا متفرقين حول كل قارئ، فيأمرهم أن يجتمعوا إلى قارئ واحد؟! أرأيته وهو يحمل الدرة لينبه المخالفين في الطريق، ويذكرهم هيبة القانون؟! أرأيته وهو يركب في السوق؛ فيكسر ما برز من الدكاكين، ويخفق التجار بالدرة إذا تكوَّفوا على الطعام٤ وقطعوا طريق السابلة؟! أرأيته وهو لا يزال يأمر بالمثاعب٥ والكنف٦ أن تقطع عن طريق المسلمين؟! أرأيته وهو ينهى الولاة عن الاتِّكاء في مجالس الحكم، ويكتب إلى عمرو بن العاص: «وقع إِلَيَّ أنك تتكئ في مجلسك، فإذا جلستَ فكن كسائر الناس، ولا تتكئ؟!»

بل أرأيته وهو يرعى المراتب، فينزل درجة من سلالم المنبر بعد أبي بكر؛ لأن الخليفةَ الأول أحقُّ منه بالتقديم؟!

ذلك هو السمت العسكري بالفطرة التي فُطر عليها، وليس هو السمت العسكري بالأسوة والتعليم.

وبالفطرة التي فطر عليها كان يحب ما يحسن بالجندي في بدنه وطعامه، ويكره ما ليس بالمستحسن فيه، فكان يقول: «إيَّاكم والسمنة فإنها عقلة»،٧ وكان يقول: «إياكم والبطنة، فإنها مكسلة عن الصلاة، ومفسدة للجسم، ومؤدية إلى السقم، وعليكم بالقصد في قُوتِكم، فهو أبعد من السرف، وأصح للبدن، وأقوى على العبادة.» وكان يأمر بالجد، ويحذر من المهازل؛ لأن «من كثر ضحكه قلت هيبته، ومن كثر سقطه٨ قل ورعه»، وكان يمشي «شديد الوطء على الأرض، جهوري الصوت» كما يمشي الجنود، وكما يتكلمون، وكان يأمر بتعلم الرماية والسباحة، والفروسية والمصارعة، وكلِّ رياضة يتدرب عليها الجندي، وتتهذب بها الأبدان والأخلاق.

وإذا ارتقينا من هذا إلى النظام الأشمل، والتقسيم الأعم الأكمل، فهناك عمر بن الخطاب الذي دَوَّنَ الدواوين، وأحصى كلَّ نفسٍ في الدولة الإسلامية، كأدق إحصاء وعاه الموكلون بالتجنيد في العالم الحديث، فما


(۱) أي منقسمين . (۲) التي يضرب بها (۳) اي خرج (4) اي يضرب (0) استداروا (6) المسلوكة ، والقوم المختلفة عليها (۷) سبیل الماء (۸) أي أنها تقيد الانسان في عمله وفكره . (A)