صفحة:عبقرية عمر (المكتبة العصرية).pdf/62

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.

–٦٤–

معارضةٍ لسائر الوجهات، فأما أن تكون كلها ذاهبة في وجهة واحدة، فذلك عنصر واحد متعدد الأجزاء والألوان.

ولهذا كانت دراسة عمر غنيمة لكل علم يتصل بالحياة الإنسانية، كعلم الأخلاق، وعلم الاجتماع، وعلم السياسة، ولم تقتصر مزايا هذه الدراسة على علم النفس وكفى.

لأن كل نفس صغرت أو كبرت فهي إنسان يضيف العلم به إلى علم النفس بعض الإضافة.

ولكن ليست كل النفوس بالنفس التي تصحح أوهام الواهمين في فضائل الأخلاق وفضائل الاجتماع، وفي القدوة المثلى التي يَقْتدي بها طلاب الرفعة والسيادة.

ونحن في عصر شاعت فيه فلسفات مسهبة١، تنكر الرحمة والعدل على الأقوياء الغيورين، وتحسبهما حيلة من حيل الطبع في خلائق الضعفاء لاستدامة البقاء، كأن رحمة الضعيف تنفعه إذا رحم، وكأن عدل الضعيف ينفعه إذا عدل، أو كأن القوي يخلق نفسه لنفسه، ولا يخلق قويًّا لتفيد قوته فائدتها في خدمة المحتاجين إليها.

فعمر ذو البأس والعدل، وعمر ذو الرحمة والغيرة، أصدق تفنيدًا لذلك الوهم الأخرق البليد؛ إذ كانت رحمته وعدله لا يناقضان البأس والغيرة فيه، بل كان بأسه معوانًا لرحمته، وكانت غيرته معوانًا لعدله، وكان هو قويًّا لينتفع الناس بقوته، ولم يكن قويًّا ليطغى بقوته على الضعفاء.

ولم يكن لزامًا أن يقسو ذو البأس ولا يرحم.

ألا يقسو الضعيف؟! فلم العجب إذن من رحمة القوي؟! كلُّ ما هنالك أنَّ رحمةَ الضعفاء غير رحمة الأقوياء. فأما العقل الذي يرى الرحمة غريبة في الأقوياء، ويرى القسوة غريبة في الضعفاء، فهو يرى غير الواقع من هؤلاء وهؤلاء؛ إذ الواقع في الدنيا أنَّ القسوة لا تدل على القوة، وأنَّ الرحمة لا تدل على الضعف، وأن ليس في الدنيا أقسى من الأطفال


  1. اسهب : أي اكثر الكلام