صفحة:عبقرية عمر (المكتبة العصرية).pdf/59

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.
–٦١–

وحيوية الجسد، وغير ذلك كثير مما يتداخل بين هذه الحيويات.

فليس من الضروري إذا رأيت رجلًا قليل الاشتهاء لمتعة الأجساد أن تحكم عليه بضعف الحيوية، فربما كانت له حيوية أخرى تملأ ألوفًا من النفوس، لا تجد متاعها في أكلة أو شهوة، وتجد المتاع في إحقاق الحق، وزجر الطغيان، وإقامة العدل والشريعة بين الناس.

وهكذا كانت حيوية عمر فيما يريده، وفيما يزهد فيه.

لم تكن قلة الرغبة في زخارف الدنيا هي مقياس حيويته العظمى، وإنما كان مقياس تلك الحيوية عظم الرغبة في الإصلاح والتقويم، وفي إجراء ما ينبغي أن يجري، غير مبالٍ ما يكلفه ذلك من جهدٍ تتضاءل دونه جهود الألوف من الموكلين بمتاع الأجساد.

•••

تلك صورة مجملة للصفات الخلقية الكبيرة التي كانت غالبة على نفس عمر بن الخطاب، وهي العدل والرحمة والغيرة والفطنة والإيمان.

وأول ما يُلاحظ عليها تعدد الصفات الغالبة في نفس واحدة، وصفة واحدة منها قد تغلب على النفس — وليست بصغيرة — فتنعتها بنعتها وتستأثر بتمييزها والدلالة عليها.

ثم يُلاحظ عليها أنَّ الصفة منها تتصل بعمر بن الخطاب، فتأخذ منه وتصطبغ بصبغته١، حتى كأنها لم تُعهَد في غيره على شيوعها وكثرة الموسومين بسماتها.

إلا أنَّ هذا وذاك ليس بأعجب الملاحظات، ولا أندرها في هذا السياق، وإنما العجب العاجب حقًّا هذا التركيب الذي ندر مثيله جدًّا بين خصائص النفوس، كائنًا ما كان نصيب صاحبها من العظمة والامتياز.

وأحرى بنا أن نقول «هذه التركيبة»، ولا نقول «هذا التركيب»؛ لأن صفاته الكبيرة تتركب كما تتركب أجزاء الدواء الذي ينفع لغرض واحد مفهوم، والذي ينقص جزء منه، فينقص نفعه كله، ويدخله التناقض والاختلاط.


  1. الصبغة : أي اللون .