صفحة:عبقرية عمر (المكتبة العصرية).pdf/58

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

–٦٠–

به إيمانه، فهما قوتان غالبتان، وليستا بعدُ بالعسكرين المتغالبين.

لقد كانت تلك سورته الكبرى، ولكنها لم تكن أولى سوراته ولا آخرتها.

فقد عهدت هذه السورات في طبعه، حتى عرف من عهدوها كيف يسوسونها ويتقونها، وأوشكت أن تحسب في عداد الأنهار المحكومة، لا في عداد السيول الجارفة، انطلقت من عقالها.

ذهب إليه بلال مستأذنًا، فقال له الخادم إنه نائم، فسأله: كيف تجدون عمر؟ قال: خير الناس إلا أنه إذا غضب فهو أمر عظيم. قال بلال: لو كنت عنده إذا غضب قرأت عليه القرآن حتى يذهب غضبه.

فهو الإيمان ضابط كل شيء في تلك النفس، حتى السورات التي ليس لها ضابط في النفوس.

أو قل إنها هي النفس القوية في دفعاتها، وفي ضوابطها على السواء.

ورب نفس من ضعف الدفعة بحيث يقمعها أهون ضابط يسيطر عليها، فأما الدفعة التي لا يقف في طريقها إلا ضابط أقوى منها؛ فتلك هي الطبيعة الحيوية المضاعفة، وليست هي الضعف الذي يتراجع لأهون مراجعة.

نذكر هذا وينبغي أن نذكره ولا ننساه؛ لأن الفرق بين الإيمان الذي يكبح الهزيل المنزوف الحياة، وبين الإيمان الذي يكبح القوي الجياش فرق عظيم.

ولم يكن عمر مُعرضًا عن زخارف الحياة لهزال كان في دواعي الحياة فيه، وإنما كان مُعرضًا عنها لأنه كان قادرًا على الإعراض غير ممتحن به في إرادة ولا عزيمة.

وكان معرضًا عنها لأنه صاحب حيوية غير الحيوية الجسدية الموكلة بالسرور والمتاع.

فمن الواجب إذا ذكرنا الحيوية وضعفها وقوتها، أن نذكر أبدًا أنها حيويات متعددة وليست بحيوية واحدة.

حيوية الروح، وحيوية الخلق، وحيوية الذوق، وحيوية العقل،


(1) أي عرفت . (۲) أي قيدها . (۳) يقهرها (4) نزف ماء البئر :