صفحة:عبقرية عمر (المكتبة العصرية).pdf/50

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

–٥٢–

ونظروا إلى جملة آرائه في المسائل الجُلَّى فإذا هي من الآراء التي يغلب عليها القطع والجزم والانطلاق إلى غرض ماثل، لا تنحرف عنه قيد شعرة، كأنه قد جهل ما في الدنيا من نقائض وخفايا ومن عوج وتعريج، أو كأنه السهم الثاقب ينفذ فيما أمامه إلى هدفه المحدود، ولا يلتفت إلى شيء في نفاذه، أو يعوقه عائق دونه.

فخطر لهم أنَّ فطنته إنما كانت فطنة فراسة فطرية، كالغريزة التي تهتدي على استقامة واحدة، ولكنها لا تنحرف ولا تتصرف ولا تخالف ما جبلت عليه، وأنها فطنة العقل المحدود والبصر الموكل بجانب واحد ينفذ فيه، ولا يحيط به أو يتشعب في نواحيه. والفكر المحدود هنا هو فكر أولئك المستشرقين، لا فكر عمر بن الخطاب.

فالرجل الذي يستقيم على وجه واحد، لا يحيد عنه، هو واحد من رجلين: فإما رجل يستقيم على هذا الوجه؛ لأنه لا يرى غيره، ولا يحيط بما حوله.

وإما رجل يستقيم على هذا الوجه؛ لأنه قادر على اختراق العقبات، عالم أنها تنثني إليه حيث كان دون أن ينثني إليها حيث كانت.

واستقامة عمر بن الخطاب على وجهه من هذا القبيل، وليست من ذلك القبيل؛ هي استقامة قدرة، وليست باستقامة عجز، وهي استقامة تصرف سريع، وليست باستقامة محجور مقيد، يأبى أن يدور؛ لأنه قد أعياه أن يدور.

هي استقامة حياة غلابة، وليست باستقامة أداة كالموازين تسوي بين التبر والتراب؛ لأنها لا تميز بين التبر والتراب.

فالرجل الذي يجتنب التصرف في العدل عجزًا عن الفهم والتزامًا للحرف المكتوب، ونزولًا إلى مرتبة الموازين التي لا تعي ولا تغضب


(1) العظمی ۰ (۲) أي قائم ورافع • (۳) أي قدر شعرة • (4) مانع (0) طبعت ، (6) أي تسيل . (۷) حجر القاضي عليه : منعه من التصرف . (۸) الذهب - (۹) أي لا تفهم ولا تعقل