–٦٨–
ذلك أنَّ عمر كان يغار على حق، ولا يغار من أحد، ولا ينفس على ذي نعمة.
فإذا قيل لك إنَّ عمر قد غار، فلن يخطر لك أن تسأل: ممن كانت غيرته؟ وإنما يخطر لك أن تسأل في كل مرة: علامَ غار؟ ولأي شيء كان يغار؟
فهو يغار على حق، أو يغار على عرض، أو يغار على دين، أو يغار على صديق أو صاحب حرمة، ولا يغار من هذا أو ذاك لنعمة أصابها هذا أو ذاك.
إنما كان يغار على شيء يحميه، ويعلم من نفسه القدرة على حمايته، فهي غيرة من يريد الحماية لغيره، ولا يريد انتزاع الخير لنفسه أو غلبة إنسان على حظه.
رجل قوي، جياش الطبع، شديد الشكيمة، مؤمن بالحق وحرماته، قادر على تقويم من يحيد عنها ويجترئ عليها. فإن لم يكن هذا غيورًا فمن يكون الغيور؟
وقُل في ذكائه وفطنته وألمعية ذهنه ما تقول فيما اشتهر به من صفات العدل والرحمة والغيرة، وإن كانت هذه الصفة أحوج منهن إلى الشرح والتحليل.
فبعض المستشرقين الذين أثنوا عليه قد عرضوا لأمر تفكيره، فوصفوه بأنه محدود التفكير، أو أنه يأخذ الأمور بمقياس واحد.
(1) أي يحسد ويحقد . (۲) يميل ويعدل . (3) المتوقد الذكاء . (4) صيغة مبالغة في البحث : (5) البليغ ، والمقصود هنا : البليغ في علم المنطق