عالية أصواتهن، فلما استأذن عمر قُمْن يبتدرن١ الحجاب.
فدخل والنبي يضحك.
قال عمر: أضحك الله سنك يا رسول الله. كأنه يسأله عن سبب ضحكه. فقال عليه السلام: عجبت من هؤلاء اللاتي كُنَّ عندي لما سمعن صوتك ابتدرن الحجاب.
قال عمر: فأنت يا رسول الله كنت أحق أن يهبن، ثم التفت إليهن يقول: أي عدوات أنفسهن، أتهبنني ولا تهبنَ رسول الله ﷺ؟
قلن — ولا يخذل المرأة لسانها في هذا المقام: نعم، أنت أغلظ وأفظ من رسول الله!
وحسبك من غيرته أنه هو الذي أشار على النبي ﷺ بحجاب أمهات المسلمين، وكان يرى إحداهن في الظلام ذاهبة لبعض شأنها، فيقول لها: عرفتك يا فلانة!
ليريها أنها في حاجة إلى مزيد من التحجب. وقد ضجرت٢ إحداهن منه لهذا فقالت له: وإنك علينا يا بن الخطاب والوحي ينزل في بيوتنا؟
على أنَّ الغيرة في ابن الخطاب لم تكن غيرة مقصورة على المرأة وكفى، بل غيرته على المرأة لم تكن إلا شطرًا من غيرته على كل حرم وحوزة٣، فمن هذه الغيرة العامة سياسته العربية التي كانت تصد الغرباء عن جزيرة العرب كأنها الحرم الموصد٤، ومنها غيرته على الزي العربي والشمائل العربية، ومنها غيرته على العقيدة وحدود الشريعة، وغيرته على كل حق يحميه غيور.
والأحاديث عنه في هذه الخصلة تتعدد في معارض شتى، كما تعددت أحاديث عدله ورحمته، وكل صفة بارزة فيه، فشأن هذه الصفات أن يظهرن أبدًا حيث ظهر له قول أو عمل؛ لأنهن أصيلات مطبوعات يختلطن بكل ما عمل وقال.
إلا أنك تقرؤها جميعًا فتخرج منها بأثر واحد لا اختلاف فيه.