صفحة:عبقرية عمر (المكتبة العصرية).pdf/4

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
–٥–

ولنا أن نتصور رجلا له مهابة في نفس الرسول !! وقد كان النبي يرعی تلك الهيبة، رضي عنها، واغتباطا بأثرها في نصرة الحق، وهزيمة الباطل، وتأمين الخير والصدق، واخافة أهل البغي والبهتان..

ولقد كانت هيبة عمر نابعة من قوة نفسه، قبل أن يكون مصدرها قوة جسده..

على أن عمر المهاب، كان سريع البكاء اذا جاشت نفسه بالخضوع والخشوع بين يدي الله، حتى ترك البكاء على صفحتي وجهه خطين أسودين..

ومن السمات التي اتسم بها عمر : أنه كانت له قدرة مذهلة على تمييز المذوفات والمشمومات التي لا يسهل التمييز بينها.. ومن ذلك ما روي : أن غلامه سقاه ذات يوم لبنا، وأنكره، فسأله : ويحك، من أين هذا اللبن ؟ قال الغلام : إن الناقه انفلت عليها ولدها، فشرب لبنها، فحلبت لك ناقة من مال الله !!

و كان ذا فراسة نادرة، وقدرة على كشف الخفايا واستيضاح البواطن وكان يحب التفاؤل، ويعنى بالرؤيا، والنظر أو الشعور على البعد، وهذا ما يطلق عليه علماء النفس المعاصرون اسم : « التلباني،، وله في ذلك من النوادر ما يبهر.. ساق الكاتب عديدا من نماذجها.

والقوة صفة لازمت عمر، ودلت عليها مناقبه وإلى جانب قوته فقد اشتهر بالعدل، والرحمة، والغيرة، والفطنة، والايمان الوثيق، واستمد عمر هذه الصفات من روافد شتی : بعضها من وراثة أهله، وبعضها من تكوين شخصه وبعضها من عبر أيامه، وبعضها من تعلیم دینه ۰۰ واستدل الكاتب على كل صفة من هذه الصفات بما يثبنها ويؤيدها، مبينا أن كل صفة من هذه الصفات، كانت في موضعها تطغى على غيرها، فلا تعطيها إلى جانبها متانه رسوخ واستمرار.

واذا كان المستشرفون قد اتهموا عمر، بأنه كان محدود التفكير، وأنه كان يأخذ الأمور بقياس واحد، فقد رد عليهم الكاتب، بأن عمر كانت له فطنة الرجل العليم بنفائص الأخلاق، وخبايا النفوس، وأنه لو كان محدود التفكير، ينظر الى الأمور من جانب واحد، لما كثرت، مشاوراته للكبار والصغار، والرجال والنساء، مشاورة من يعلم أن جوانب الآراء تتعدد، وأن للامور وجوها لا تنحصر في الوجه الذي يراه، وأنه كثيرا ما قال : « و أخوف ما أخاف علیکم اعجاب المرء برأيه »..

وذكر الكاتب في كلامه عن صفات عمر : بأنه لم يكن ينثني للخطوب كغيره، وانما كانت تنئني له الخطوب !  ! وعبر عن كل صفاته، بأنها « ترکیبة » ، ولیست « ترکیبا » تشبيها لها بأجزاء الدواء، الذي اذا نقص جزء منه، نقص نفعه كله.