صفحة:عبقرية عمر (المكتبة العصرية).pdf/34

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

–٣٦–

المؤمنين. وقد عرفت ألا هوادة١ لأحد من الناس عندي في حق يجب لله عليه، فإذا جاءك كتابي هذا، فابعث به في عباءة على قتب٢ حتى يعرف سوء ما صنع»..

قال: «فبعثت به كما قال أبوه، وأقرأت ابنَ عمرَ كتابَ أبيه، وكتبتُ إلى عمرَ كتابًا أعتذرُ فيه، وأخبرُهُ أني ضربته في صحن داري على الذمي والمسلم، وبعثت بالكتاب مع عبد الله بن عمر.»

قال أسلم: «فقدم عبد الرحمن على أبيه فدخل عليه، وعليه عباءة ولا يستطيع المشي من مركبه. فقال: يا عبدَ الرحمنِ فعلت كذا؟ فَكلَّمَهُ عبد الرحمن بن عوف وقال: يا أمير المؤمنين، قد أُقِيمَ عليه الحدُّ مرَّة. فلم يلتفت إلى هذا عمر وزَبَره٣، فجعل عبد الرحمن يصيح: أنا مريض وأنت قاتلي. فضربه وحبسه، ثم مرض فمات رحمه الله.»

فهذه قصةٌ تتوافقُ أخبارُها ومن رُوِيَت عنهم، فلا نستغربها في جميع تفصيلاتها إلا حين تطرأ عليها المبالغة التي تتسرب إلى كل خبر من أخبار البطولات المشهورة، وذلك أن يقسو عمرُ على ابنه تلك القسوة التي لا يوجبها الدين، ولا تقبلها الفطرةُ الإنسانيَّة، فيُقيم عليه الحدَّ وهو ميتٌ، أو يُعَرِّضُه للموت من أجل حد أقيم.

هذا هو الغريب الذي استوقفنا فأنكرناه، ومضينا في تمحيصه٤، فطابق التمحيص ما قدَّرناه، أما سائرُ القصة فلا غرابة فيه من كل نواحيه، بل هو من القصص التي يستبعد فيها التلفيق والاختراع٥، إلا أن يكون الملفق من حذاق٦ الرواة ومهرة الوضاع.

ولو كان المصدر واحدًا معروفًا بالحذق في القصص لحسبناها من وَضْعِه وتلفيقِهِ، ولكنها سُمِعَتْ من غير مصدر موثوق به، فهي أقرب إلى الواقع فيما يشبهه، ويجري مجراه

فعبدُ الرحمن بن عمر يذهب إلى الوالي؛ لأنه شرب شيئًا ظنه غير مسكر، فإذا هو قد سكر منه، ولا مناصَ٧ من إقامة الحدِّ عليه، وإلا رفع


  1. اللين
  2. الاكاف الصغير على قدر سنام البعير
  3. زجره ونهره
  4. أي اختباره والوقوف على حقيقته
  5. الكذب والاختلاق
  6. بمعنی المهرة
  7. لا مفر ولا هرب منه