يجعلوا عمرَ مقيمًا للحدِّ على ابنه، مشتدًّا في عقوبته اشتدادًا لا يُسوَّى فيه بينه وبين غيره. ثم لا يكتفي المبالغون بهذا حتى يموت الولد قبل استيفاء العقوبة، فيمضي عمر في جلده وهو ميت لا تقام عليه الحدود! ومن اعتدل من المبالغين لم يذكر الموت وإتمام العقوبة، وذكر لنا أنَّ الولد مات بعد ذلك بشهر من مرض الضرب الذي ثقل عليه، وعجزَ عن احتمالِه..
نعني بما تقدم قصة عبد الرحمن بن عمر في مصر، وهي كما رواها عمرو بن العاص والي مصر يومئذ حيث يقول: «… دخلا — عبد الرحمن بن عمر وأبو سروعة — وهما منكسران، فقالا: أَقِمْ علينا حَدَّ الله، فإنَّا قد أصبنا البارحة شرابًا فسكرنا. فزبرتهما١ وطردتهما، فقال عبد الرحمن: إن لم تفعل أخبرت أبي إذا قدمت عليه. فحضرني رأي، وعلمت أني إن لم أُقِمْ عليهما الحدَّ غضبَ عليَّ عمر في ذلك وعزلني، وخالفه ما صنعت، فنحن على ما نحن عليه، إذ دخل عبد الله بن عمر، فقمت إليه فرَحَّبْت به، وأردتْ أن أجلسَه في صدرِ مجلسي، فأبى عليَّ وقال: أبي نهاني أن أدخل عليك إلا ألا أجد من ذلك بدًّا٢. إنَّ أخي لا يحلق على رءوس الناس، فأما الضرب فاصنع ما بدا لك.»
قال عمرو بن العاص: وكانوا يحلقون مع الحدِّ، فأخرجتهما إلى صحن الدار فضربتهما الحد، ودخل ابن عمر بأخيه إلى بيت من الدار، فحلق رأسه ورأس أبي سروعة، فوالله ما كتبت إلى عمر بشيء مما كان، حتى إذا تحيَّنت٣ كتابه إذا هو نظم٤ فيه: «بسم الله الرحمن الرحيم : من عبد الله أمير المؤمنين عمر إلى العاصي ابن العاص
«... عجبتُ لك يا بن العاص ولجرأتِكَ عليَّ وخلاف عهدي! فما أراني إلا عازلك فمسيء عزلك؛ تضرب عبد الرحمن في بيتك، وتحلق رأسه في بيتك، وقد عرفت أنَّ هذا يخالفني؟ إنما عبد الرحمن رجل من رعيتك، تصنع به ما تصنع بغيره من المسلمين، ولكن قلتَ: هو ولد أمير