صفحة:عبقرية عمر (المكتبة العصرية).pdf/21

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
– ٢٣ –

وما وضع عمر خيرًا من موضعه، وهو يلي الإسلام والخطر عليه من أعدائه المحدقين١ به، والطب الذي يطبهم به هو طب الصلابة والحزم الذي لا يَنكُل٢ عن صراع.

وكأنما توقع النبي أنَّ أيام أبي بكر معدودات، ولكنها الأيام التي تحتاج إليه، وتكفي لإنجاز عمله، وتوقع أن يأتي عمل عمر في حينه المقدور، فلا يفوت الإسلام أن ينتفع بمقدرته في عهد أبي بكر ولا في عهده، نقول هذا على الترجيح، ومن حقِّنا أن نقوله على التوكيد؛ لأن حديث النبي فيه غنًى عن التخمين والتأويل، قال عليه السلام: «رأيت في المنام أني أنزع بدلو بكرة على قَلِيب،٧ فجاء أبو بكر فنزع ذَنُوبًا٨ أو ذَنُوبين نزعًا ضعيفًا، والله يغفر له، ثم جاء عمر بن الخطاب فاستحالت غربًا، فلم أرَ عبقريًّا يفري فريه، حتى روى الناس وضربوا بعطن.»

وفهم فقهاء الإسلام أنَّ ضعف النزع هو قصر المدة، وانصراف العزم إلى حرب الرِّدَّةِ، وأنَّ فيض الري على يد عمر هو فيض العبقرية التي ينفسح لها الأجل، وتنفسح أمامها منادح٣ العمل، ويؤتى لها من السبق ما لا يؤتى لغير العبقريين.

ولنا أن نفسر العبقرية بمعناها الذي يفهمه الأقدمون، أو بمعناها الذي نفهمه نحن المحدثين، فكلا المعنيين مستقيمٌ في وصفِ عمرَ بن الخطاب … أتراها على كلا المعنيين شيئًا غير التفرد والسبق والابتكار؟ كلا، ما للعبقرية مدلول يخرج عن صفة من هذه الصفات. ومن يكتب تاريخ عمر فقد يجد في النهاية أنه يكتب تاريخًا «لأول من صنع كذا، وأول من أوصى بكذا»، حتى ينتهي بسرد هذه «الأوليات» إلى عداد العشرات.

وتلك هي العبقرية التي لا يفري فريها أحد، كما قال صاحبه وأعرف الناس به، صلواتُ اللهِ عليه.


  1. أحدقوا به : أحاطوا به
  2. لا يجبن
  3. الندح : الكثرة والسعة