به۱۸- . . له الصنيع لقد كان ذلك هو الشذوذ المستغرب الذي لا يقع من عمر بن الخطاب خاصة ، لأنه لا يحابي ولا يفرق في المعاملة ولا يبالي غضب قائد كبير ولا وال قدير . وليس يحب أن يقال : ان رجلا من الرجال لا غنى منه لدولة الاسلام . فربما كان شيوع هذه العقيدة أخطر على الاسلام من عزل وال مظلوم او ولاة مظلومين ولا ننسى الأمانة الكبرى التي هي أكبر من أمانة الرفق بالولاة والعدل في محاسبة العمال ، ونعني بها أمانة الدين والدولة أو ما نسميه نحن في ايامنا « بالسياسة العليا » .. وعمر لايتركنا نفسر أعماله هنا باجتهادنا في فهمها وتأويلها على ما فراه ، بل يصرح للناس فيها بما يغنيهم عن التفسير والتأويل فكان رنگی في شئون الولاة الكبار والقواد المشهورين أمرين يجيزان عزلهم ولو لم يقع منهم ما يوجب المؤاخذة أحد هذين الأمرين ، أن يفتتن بهم الناس فيفتتنوا بالناس كما قال الخالد بعد عزله . والخوف في هذا الأمر من القائد الكفؤ أعظم من الخوف قائد صغير لم يبل أحسن البلاء ولم تتساير بذكراه الأنباء ، فليس لهذا خطر في بقائه كخطر القائد الكبير وخطته هنا عامة لا يخص بها واليا دون وال ولا قائدا دون قائد . فلما عزل زياد بن أبي سفيان عن ولاية العراق سأله زياد : لم عزلتني يا أمير المؤمنين .. ألعجز أم خيانة .. فقال له : لم أعزلك لواحدة منهما ، ولكني كرهت أن أحمل فضل عقلك على الناس . وقديما قال فيه عمر : لو كان قرشيا لسان العرب بعصاه . فالحيطة منه وفاق رأيه فيه وقد كان من خلق عمر أن يقدم الحذر ويأخذ بالحيطة ويطيل الروية ثم يجزم بالرأي السديد في غير ابطاء ، ولهذا كان يكره ولاية الرجل الفخور وينهى عنها في خلافته وقبل خلافته ، فأشار على أبي بكر ألا يولي خالد بن سعيد وكلمه في عزله لأنه رجل فخور يحمل أمره على المغالية والتعصب .. فعزله أبو بكر كما أشار (۱) المجازاة والمحاسبة - (۲) أي الحذر من .
صفحة:عبقرية عمر (المكتبة العصرية).pdf/183
المظهر