عبقري
«… لم أر عبقريًّا يفري فريه١...»
كلمة قالها النبي عليه السلام في عمرَ رضي الله عنه وهي كلمة لا يقولها إلا عظيم عظماء، خُلِق لسياسة الأمم وقيادة الرجال ..
فمن علامات العظمة التي تحيي موات الأمم أن تختص بقدرتين لا تعهدان في غيرها، أولاهما: أن تبتعث كوامن٢ الحياة، ودوافع العمل في الأمة بأسرها، وفي رجالها الصالحين لخدمتها، والأخرى: أن تنفذَ ببصيرتها إلى أعماق النفوس، فتعرف بالبديهة الصائبة٣ والوحي الصادق فيم تكون عظمة العظيم، ولأي المواقف يصلح، وبأي الأعمال يضطلع٤، ومتى يحين أوانه، وتجب ندبته، ومتى ينبغي التريث في أمره إلى حين ?..
كلتا القدرتين كان لهما الحظ الوافر في سيرة عمرَ بن الخطاب.
فأين — لولا الدعوة المحمدية التي بعثت كوامن العظمة في أمة العرب — كنا نسمع بابنِ الخطاب؟ وأيُّ موضع له كان من مواضع هذا التاريخ العالمي الذي يزخر بكبار الأسماء؟
إنه الآن اسم يقترن بدولة الإسلام ودولة الفرس ودولة الروم، وكل دولة لها نصيب في التاريخ، فأين كنا نسمع باسم عمرَ لولا البعثة المحمدية?
لقد كان ولا ريب خليقًا٥ أن يستوي على مكان الزعامة بين بني عدي آله الأقربين أو بين قريش قبيلته الكبرى ثم ينتهي شأنه هناك، كما انتهى شأن زعماء آخرين، لم نسمع لهم بخبر؛ لأنهم عظموا أو لم يعظموا، يعطون البيئة كفاء٦ ما تطلب من جهد ودراية، وهي تطلب منهم ما يذكرون