صفحة:عبقرية عمر (المكتبة العصرية).pdf/131

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
–١٣٣–

الكثير وأن تصحح لنا مقاييس المقابلة والتقدير من كل عصر سابق و عصر أخير..

***

ونحن — اذ ننظر الى أعمال عمر بن الخطاب تقيسها إلى نظام الحكم في زماننا — واجدون فيها كثيرا من المستغربات التي تحول بيننا وبين تقديرها الصحيح للوهلة الأولى، ولكننا لا تلبث أن ترفع القشرة وتنفذ الى اللباب حتى تزول الغرابة ونرى في مكانها الحق الخالد الذي تتغير العصور ولا يتغير، بل نرى في مكانها أحيانا ما يصلح كل الصلاحية للتفسير حتى بمبادئ هذا العصر الأخير

خذ مثلا انه — وهو أقدر المالكين في عصره — كان يقنع بالكفاف ويلبس الكساء الغليظ، ويهنأ١ ابل الصدقة، أي يداويها بالقطران، ويراه رسل الملوك وهو نائم على الأرض لومة الفقير المدقع٢، وتعرض له المخاضة٣ وهو داخل الى الشام فينزل عن بعيره ويخلع خفيه ويخوض الماء ومعه بعيره، ويسافر مع خادمه فيساوي بينهما في المأكل والمركب والكساء..

حاكم من حكام العصر الحديث لا يصنع هذا ولا يطالب بأن يصنعه، وهو وأبناء العصر الحديث على حق فيما ارتسموه لأنفسهم من السمت٤ والشارة٥، لأن حاكم الأمة يحتاج الى المهابة بين قومه وغيرهم الأقوام، وهذا حسن مشكور

ولكن هذه وجهتنا نحن في هذا، فما هي وجهة عمر فيه ؟..

وهذه حجتنا نحن فيما ارتسمنا.. فما هي حجة عمر فيما أرتسم ؟..

اننا اذا عقدنا المقارنة بين الوجهتين والحجتين ألفيناه في غني عن وجهتنا وحجتنا، وأنه كان يصل الى الغاية التي نرومها نحن من طريق أقوم وأنفذ من الطريق الذى توخيناه

فكان يعيش عيشة الفقراء، وأمته وأمم أعدائه أهيب له مما تهاب التيجان في القصور..


  1. طلاها بالقطران.
  2. الشديد الفقراء الملصق بالتراب.
  3. ما جاز الناس فيه مشاة وركبانا.
  4. أي الشكل والهيئة والمظهر.
  5. أي العلامة.