1 من الأشياء التي أفضت الى هذه الخاتمة ، وهي محتومة ليس عنها محيد . إذ لم يكن طبيعياً أن يصمد الناس على سنة النبوة أكثر من جيل واحد ، تثوب بعده الطبائع إلى فطرتها من نشأة جلال الخلافة النبوية ، وهي في إبان النضال والحمية الدينية ، فتنسى المطامع وتسهو عن الحزازات وتستعذب الألم والفداء إلى مدى الطاقة الانسانية ، ولكنها تبلغ مدى الطاقة الانسانية بعد حين ، وتفتر عن النهوض من قمة الى قمة . فتركن آخر الأمر إلى الأرض السواء حيث لا حافز ولا مستنهض ، إلا مجاراة الطبيعة في مجاريها التي لا تشق عليها ، وأن المصلحين ليرضون غاية الرضا حفظت من اصلاحهم عند ذلك وازعاً يهديها بعد ضلالة عمياء ، ويردعها بعد جماح مريد ، ويكفكف من غلوائها ما كان من قبل منطلقاً بغير عنان .. اذا هي . وقد نظر النبي عليه السلام بعين الغيب الى هذا المصير فقال : «الخلافة ثلاثون عاماً ثم يكون بعد ذلك الملك ) . وأنبا بانقسام الفرق وتشعب الاهواء ، وكأنما كان ينظر إلى ذلك بعينيه صلوات الله عليه . واتبع علي من اليوم الأول في خلافته أحسن السياسات التي كان له أن يتبعها ، فلا نعرف سياسة أخرى أشار بها ناقدوه أو مؤرخوه ثم أقاموا الدليل على انها خير من سياسته في صدق الرأي وأمان العاقبة ، أو انها كانت كفيلة باجتناب المآزق التي ساقته الحوادث اليها .
-91-
— ٩١ —