ونعتقد كما أسلفنا أن هذه الحقيقة هي أولى الحقائق بالتوكيد والاستحضار ، كلما عرض أمر من أمور الخلاف والتردد في خلافة علي رضي الله عنه . فاذا هي فهمت على وجهها ، فكل ما عداها مفهوم البواطن والظواهر منسوق الموارد والمصادر . واذا هي لم تفهم على الوجه الأمثل أو تركت جانباً ، وبحث الباحثون عن العلل والعواقب في غيرها فالعهد كله غامض مجهول ، والموازين كلها مختلفة منقوصة سواء في تقدير الرجال أو تقدير الأعمال، وجاز حينئذ أن يرمى علي بالخطأ . ولا خطأ عنده يصححه غيره في موضعه ، وانما هو حكم الموقف الذي لا محيد عنه . وجاز كذلك أن ينحل خصومه فضل الصواب ولا صواب عندهم، لأنهم مضطرون الى ورود هذا المورد . فكروا فيه أو طرقوه اعتسافاً بغير تفكير فلم تكن المسألة خلافاً بين علي ومعاوية على شي واحد ، ينحسم فيه النزاع بانتصار هذا أو ذاك . ولكنها كانت خلافاً بين نظامين متقابلين متنافسين : احدهما يتمرد ولا يستقر ، والآخر يقبل الحكومة كما استجدت ويميل فيها الى البقاء والاستقرار أو هي كانت صراعاً بين الخلافة الدينية كما تمثلت في علي بن أبي طالب ، والدولة الدنيوية كما تمثلت في معاوية بن أبي سفيان .
-17-
— ٨٦ —