كما يعتقدونها . وطالما وقفوا بين علي وبين القتال لأنهم لا يستجيزونه ، أو عن الصلح والتحكيم لأنهم يحلون القرآن عن قبوله . فاذا كان أجناد معاوية يسمعون الحق والباطل لأنهم لا يفرقون بينهما ولا يفرقون بين الجمل والناقة ، فهؤلاء الأجناد العارفون لا يسمعون الا ما أجازوه واستو جبوه ، لأنهم خرجوا في الأرض للتفريق بين الحلال والحرام والمعروف والمنكر . فلا يجمعون على طاعة ولا يحاربون أو يسالمون في جماعة . وهم أقرب الناس في ذلك العهد الى الجهر بالنذير والنداء بالتبديل والتغيير ، والاصغاء الى وحي الضمير قبل دعاء الأمير . واجتمع مع علي في الحجاز والكوفة كل منافس على الخلافة متطلع اليها ولو لم يجهر بطلبها مخافة من شركائه الذين يرحمونه عليها ، فمنهم من كان يقول لعلى : نبايعك على أنا شركاؤك ، ومنهم من كان يتعلل بقلة المشاورة له والمبالاة بقوله ، ومنهم من كان يحارب عثمان ثم أصبح يحارب عليا باسم عثمان ، تمحلاً لذرائع الخلاف وكراهة لاستقرار الأمور .
وقد كان أبو بكر وعمر يمسكان كبار الصحابة بالحجاز ويحذران منهم أن ينطلقوا في الأرض فيقبلوا على الدنيا ويشجر بينهم من النزاع ما
يشجر بين طلابها . ثم ينصدع شمل الأمة بالتشيع لهم وعليهم والتفرق بين
— ٦٢ —