الفتنة و العصيان ... أما على فقد شاءت المصادفات أن تنعكس الآية في حصته من الدولة الاسلامية أيما انعكاس . فأوشكت أن تنعدم فيها دواعي الرضا والاستدامة ، وأوشكت أن تتم فيها شواجر الفتنة وما نسميه اليوم بالاخلال بالنظام فكان التنافس عنده على أشده بين العاصمتين الحجازيتين وبين الكوفة، لا يرضى أهل المدينة بما يرضي أهل مكة، ولا يرضى أهل الكوفة بما يرضى به هؤلاء وهؤلاء . حتى ضاق به المقام في الحجاز وأوى الى الكوفة مأوى ( المستجير من الرمضاء بالنار ) .
وكانت قبائل البادية تنفس على قريش غنائم الولاية ومناصب الدولة ، وينظرون إليهم نظرتهم الى القوي المستأثر بجاه الدين والدنيا وحق الخلافة والسطوة . وهى حالة كان أحجى بالولاة أن يخفوها ويتلطفوا في اصلاحها أو تبديلها ما استطاعوا لها من اصلاح وتبديل ، ولكنهم على نقيض ذلك كانوا يباهون بها ويجهرون بحديثها حتى قال سعيد بن العاص والي الكوفة : ( انما السواد بستان لقريش ! ) . وظهر هذا السخط من إثرة قريش في خطب المتكلمين بلسان أهل البادية حين نشب النزاع بين طلحة والزبير وأنصارهما وبين علي
109-
— ٥٩ —