نسميه في هذه الأيام .. فما سمعت قط صيحة فتنة الا بادر اليها بما يسكنها ويردها إلى طلب الاستقرار والدوام. فَمَن أجدى معه المال أسكته باغداق المال عليه ، ومن كان من أهل الجد والاخلاص في العبادة والزهادة فهو محتال على اقصائه أو نفيه من الشام بحيلة يوافقه عليها شركاؤه في المصلحة ولا تعييه حنق بعض الزهاد على هذا الترف الذي استفاض بين العلية والشرفاء فارتفعت عليهم صيحة أبي ذر الغفاري بالنكير ، وطفق يطالب الأغنياء بالانفاق في سبيل الله ، حتى ولع الفقراء بصيحته وشكا الأغنياء ما يلقونه من نذيره أو بشيره : ( وبشير الذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله بمكاو من نار تكوى بها جباههم وجنوبهم و ظهورهم ) . فأشفق معاوية من مغبة هذه الصيحة وارسل الى أبي ذر ألف دينار يسكته بها ان كان ممن يسكتهم الغنى عن الأغنياء ، فما طلع النهار حتى كانت الدنانير في أيدي المعوزين الذين يلوذون بالداعية الأمين ويشكون إليه . ثم صلى معاوية الصبح وأرسل الى الداعية رسوله الذي حمل إليه الدنانير يقول له : ( أنقذ جسدي من عذاب معاوية فانه أرسلني الى غيرك فأخطأت بك. فقال له: يا بني ، قل له : والله ما أصبح عندنا من دنانيرك دينار .. ولكن أخرنا ثلاثة ايام حتى نجمعها » .. فعلم معاوية أن الرشوة هنا لا تغني عن القسوة . وكتب الى الخليفة ان أبا ذر أعضل به فلا طاقة له بالصبر عليه ، فأتاه الاذن بنفي أبي ذر من الشام الى المدينة
- OY-
— ٥٧ —