ولم يكن للامام معتمد على غيرهم بعد أن حاربته قريش ، وشاعت الفرقة والشغب بين أعوانه من أبناء الأمصار ... و هم مع هذا لم يؤثروا بالولايات كلها ، ولم يؤثروا بالذي خصهم منها ليستغلوه ويجمعوا الثراء من غنائمه وارزاقه .. بل كانوا يحاسبون على ما في أيديهم أعسر حساب ، وكانوا لتضييقه عليهم في المراقبة يتركون ولاياتهم ويستقيلون منها ، كما فعل ابن عباس حين هجر البصرة إلى مكة. وقد بلغ من حسابه للولاة انه كان يحاسبهم على حضور الولائم التي لا يجمل بهم حضورها .. فكتب الى عثمان بن حنيف الانصاري عامله على البصرة : ( أما بعد يا ابن حنيف ، فقد بلغني أن رجلا من فتية أهل البصرة دعاك الى مأدبة .. فأسرعت اليها تستطاب لك الألوان وتنقل اليك الجفان. وما ظننت انك تجيب الى طعام قوم عائلهم محفو وغنيهم مدعو، فانظر الى ما تقضمه من هذا المقضم .. فما اشتبه عليك علمه فالفظه وما أيقنت بطيب وجوهه فنل منه ) . واستكثر على شريح قاضيه أن يبني داراً بثمانين ديناراً ، وهو يرزق خمسمائة درهم.. وحاسب على أقل من هذا من هو أقل من شريح أمانة في القضاء وحرجاً في الدين .. فلو أن الامام اختص أقرباءه بالولايات التي يحاسبون عليها هذا
- ١٦٩ -
— ١٦٩ —