كان حظها من الزهد والقناعة ، لأن تخطيه مع هذه المزية التي ترشحه للبيعة - يشبه أن يكون قدحاً في مزاياه الأخرى ، من علم وشجاعة وسابقة جهاد وعفة عن المطامع ، أو يشبه أن يكون كراهة له وممالأة على الغض من قدره ، ولم يزل من غرائز النفوس أن يسومها القدح فيها والحط من مزاياها ومواجهتها بالنفرة والكراهة ... إلا أن الخلافة الاسلامية ، مسألة عالمية لا توزن بميزان واحد ، ولا يؤتم فيها برأي واحد ولا يحق واحد . وقد يضحى في سبيلها بالعظيم والعظماء ، اذا تعارضت الحقوق وتشعبت الآراء .. ويشاء القدر أن تكون المزية الأولى في ميزان علي هي العائق الأول في سائز الموازين، ومنها ميزان النبي صلوات الله عليه فقد كان عليه السلام يأبى أن يثير العصبيات في قريش ، وفي القبائل العربية عامة ، لعلمه بخطر هذه العصبية على الدعوة الجديدة ، وكراهته أن يصور الاسلام للعرب كانه سيادة هاشمية تتوارثها عصبة هاشم دون العصب من سائر العرب والمسلمين. وقد رضي في سبيل هذا المقصد الحكيم ، أن يجعل بيت أبي سفيان صنواً للكعبة في أمان اللاجئين اليه ، وأصهر الى أبي سفيان وندب ابنه معاوية للكتابة له بين النخبة المختارة من كاتبيه ، وربما حسن لديه ان تئول الخلافة الى علي بعده اذا شاء
المسلمون ذلك ، ولكن على أن تكون خلافته اختياراً مرضياً كاختيار
— ١٤٩ —