لكنه كذلك لم يكن بالمحقق ، ولا بالمأمون .. فهي مجازفة ذات حدين تصيب بأحدهما وقد تصيب بها معا .. وقد يكون الحد الذي تصيب به هو الحد الذي قبل الضارب دون الحد الذي من قبل المضروب ... وكل ما تفيدنا اياه هذه الملاحظة العابرة على التحقيق، ان الامام رضي الله عنه لم يكن من أصحاب هذه الملكة التي اتصف بها بعض أبطال القلاقل في أيام الفصل بين عهدين متدابرين. فكانت له ضربة الشجاع ، ولم تكن له ضربة المغامر أو المقامر .. ولم يضرب بالسيف قط ، كانه يقذف بالقداح إما إلى الكسب واما الى الخسارة .. وانما كان يضرب به ضرب الجندي الذي يلتمس الغلب بقوته وقوة ايمانه ، ولا يلتمسه من جولات السهام وفلتات الغيب على اننا - وقد سجلنا هذه الملاحظة - نفرض انه رضي الله عنه كان من أصحاب الملكة التي عرف بها بعض المغامرين في أوقات الفصل بين العهود ونفرض أنه عمد اليها ، فنفعته في عسكره وطوعت له الجند وأراحته من شغب الخارجين عليه والمتشعبين بالآراء والفتاوى من يمينه وشماله . فماذا عسى أن يغيّر هذا كله من طبيعة الموقف الذي أجملناه ؟ .. -120-
عبقرية الامام علي (١٠)
— ١٤٥ —