فيه ولو قد اختلفوا فيما بينهم ثم كادتهم الضباع الغليتهم على اننا نود أن نقف عند الحد المأمون في تعليل النصر والهزيمة ، ولا تعدوه الى ما وراءه فليس من قصدنا أن نصف عليا بقوة الدهاء وسعة الحيلة ، ولكننا قصدنا أن نبرته من عجز الرأي وضعف التدبير ، .. لأن اسباب الهزيمة موفورة بغير هذا السبب الذي لا دليل عليه ... فقوام الفصل بين الطرفين انه لا دليل لدينا من الحوادث على عجز رأي ولا قوة دهاء .. ولو كانت قوة الدهاء صفة غالبة فيه لظهرت على صورة من الصور ، وان قامت الحوادث عائقاً بينها وبين النجاح .. فان الدهاء لا يخفيه أن تكون المعضلة التي يعالجها محتومة الفشل مقرونة بالخذلان ... ومما لا شك فيه ، ان عليا أشار بالرأي في مواقف كثيرة فأصاب المشورة، وأنه وصف أناساً فدل على خبرة بالرجال وما يغلب عليهم من الطباع والخصال ، وانه أخذ بالحزم في توقع الحوادث واستطلاع الأمور ولكنه لزم الكفاية في ذلك ، ولم يتجاوزها الى الأمد الذي يسلكه بين الدهاة الموسومين بفرط الدهاء .. فمن مشوراته الصائبة، أنه نهى عمر رضي الله عنه أن يخرج لحرب الروم والفرس بنفسه ، فقال له : « انك متى تسر الى هذا العدو بنفسك فتلقهم فتنكب ، لا تكن للمسلمين كائنة دون أقصى بلادهم .. ليس
-12-
— ١٤٠ —