وعلى هذا كله حاسنوه ولم يصارحوه بعداء .. لم يكن الجيش الذي خرج من مكة الى البصرة بيائس من الخروج اليها اذا لم يصحبه طلحة والزبير فقد كانت « العثمانية ) في مكة حزباً موفور العدد والمال .. فهي مسألة تلتبس فيها الطرائق ، ولا يسعنا أن نجزم بطريقة منها أسلم ولا أضمن عاقبة من الطريقة التي سلكها الامام وخرج منها غالباً على الحجاز والعراق ، وما كان وشيكاً أن يغلب عليهما لو بقي معه طلحة والزبير على فرض من جميع الفروض التي قدمناها ... أما عزل قيس بن سعد من ولاية مصر ، فهي غلطة الامام يقل الخلاف فيها ... من غلطات لأن قيس بن سعد كان أقدر أصحابه على ولاية مصر وحمايتها ، وكان كفؤا لمعاوية وعمرو بن العاص في الدهاء والمداورة ، فعزله الامام لأنه شك فيه .. وشك فيه لأن معاوية أشاع مدحه بين أهل الشام، وزعم انه من حزبه والمؤتمرين في السر بامره . وكان أصحاب على يُحرضونه على عزله ، وهو يستمهلهم ويُراجع رأيه فيه حتى اجتمعت الشبهات لديه .. فعزله وهو غير واثق من التهمة، ولكنه كذلك غير واثق من البراءة . وشبهاته مع ذلك لم تكن بالقليلة ولا بالضعيفة ، فان قيس بن سعد لم يدخل مصر الا بعد أن مر بجماعة من حزب معاوية ، فأجازوه ولم -١٢٩ -
عبقرية الامام علي (٩)
— ١٢٩ —