ولو بقيا على السلم المدخول لما انتفع بهما بعض انتفاعه بهذه الهزيمة العاجلة والرأي الثالث أن يعتقلهما أسيرين ، ولا يبيح لهما الخروج من المدينة الى مكة حين سألاه الاذن بالمسير اليها ، ثم خرجا منها الى البصرة ليشنا الغارة عليه .. والواقع ان الامام قد استراب بما نوياه حين سألاه الاذن السفر الى مكة .. فقال لهما : ( ما العُمرة تريدان ، وانما تريدان الغدرة ! ) ولكنه لم يحبسها ، لأن حبسهما لن يغنيه عن حبس غيرهما من المشكوك فيهم. وقد تركه عبد الله بن عمر ولم يستأذنه في السفر ، وتسلل الى الشام أناس من مكة ومن المدينة ولا عائق لهم أن يتسللوا حيث شاءوا ، ولو انه حبسهم جميعاً لما تسنّى له ذلك بغير سلطان قاهر ، وهو في ابتداء حكمه لما يظفر بشيء من ذلك السلطان، وأغلب الظن ان سواد الناس كانوا يعطفون عليهم وينقمون حبسهم قبل أن تثبت له البينة بوزرهم . وما أكثر المتحرجين في عسكر الامام من حبس الأبرياء بغير برهان ؟ لقد كان هؤلاء خلقاء أن ينصروهم عليه وقد كانوا ينصرونه عليهم، وخير له مع طلحة والزبير وأمثالهما أن يعلنوا عصيانهم فيغلبهم من أن يكتموه فيغلبوه ويشككوا بعض أنصاره في عدله وحسن مجاملته لهم.
- ١٢٨ -
— ١٢٨ —