بل كان في الجيش أناس يخونون عهده ويشغبون عليه ، ويبدو من أعمالهم أنهم مسخرون لعدوه كارهون لانتصاره . فان لم يكونوا كذلك ، فالأمر الذي لا شك فيه انهم كانوا يعملون وهم عامدون - وغير عامدين - شر ما يعمله الخائن الخبيث الذي يتحين الفرص للعناد والشقاق ، وافشاء الخلل والخذلان في أحرج الأوقات . وأدهى من ذلك ، انه لم يكن قادراً على زجرهم والتنكيل بهم . لأن الجيش الذي يوجد فيه من يحرم حرب العدو ، لن يعدم أناساً يحرمون حرب النصير المقيم على ظاهر الطاعة ، وليس لك بينة قاطعة عليه ... ومثل من ذلك أيضاً يغني عن أمثال كثيرة ، وهو مثل الأشعث بن قيس أكبر سادات كندة وأخلقه أن ينصر حزباً على حزب ، لو خلصت نيته وبرئت شيمته من التقلب والغدر بأصحابه . طمح هذا الرجل الى الملك بعد موت النبي عليه السلام ، فدعا قومه أن يتوجوه . وحارب المسلمين مع المرتدين حتى حوصر في حصنه أياماً ، ويئس من الغلبة فاستسلم . على أن يصان دمه وبقية دم عشرة من أخصائه ، ثم فتح الحصن فقتل كل من فيه ونجا بالعشرة الذين اختارهم الى أبي بكر رضي الله عنه ، فقبل توبته وزوجه أخته أم فروة . فلما نشبت الفتنة بين على ومعاوية ، كان هو من حزب علي يتطلع للفرصة السانحة .
-1..-
— ١٠٠ —