٩٤ تفسير روح المعاني ان الله تعالى أودع فيها قوة مؤثرة باذنه فمتى شاء سبحانه أثرت ومتى لم يشأ لم تؤثر كما هو مذهب السلف في الأسباب على ما قرره الشيخ ابراهيم الكورانى فى مسلك السداد ، ولو كان نسبة التأثير مطلقا إلى الانواء ونحوها من العلويات كفرا لا تسمع الخرق ولزم اكفار كثير من الناس حتى أفاضلهم لقولهم بنسبة الكثير من عالم الكون والفساد إلى العلويات ويسمونها بالآباء العلوية ، وقد صرح الشيخ الأكبر قدس سره بأن للكواكب السيارات وغيرها تأثيرا فى هذا العالم إلا أن الوقوف على تعيين جزئياته مما لا يطلع عليه الا أرباب الكشف والارصاد القلبية ، وليس مراده قدس سره وكذا مراد من أطلق التأثير إلا ما ذهب اليه أحد الفريقين فى الاسباب وحاشا ثم حاشا أن يكون أولئك الأفاضل ممن يعتقد أن في الوجود مؤثرا غير الله تعالى بل من وقف على حقيقة كلام الحكماء الذين هم بمعزل عن الشريعة الغراء وجدهم متفقين على أن الوجود معلول له تعالى على الاطلاق، قال بهمنيار فى التحصيل : فان سئلت الحق فلا يصح أن يكون علة الوجود إلا ما هو برىء من كل وجه من معنى ما بالقوة وهذا هو المبدأ الأول لا غير ، وما نقل عن أفلاطون من قوله : إن العالم كرة والارض مركز والانسان هدف والافلاك قسى والحوادث سهام والله تعالى هو الرامي فاين المفر يشعر بذلك أيضا (نعم) انهم قالوا بالشرائط العقلية وهى المراد بالوسائط في كلام بعضهم وهـو خلاف المذهب الحق ، وبالجملة لا يكفر من قال : إن الكواكب مؤثرة على معنى أن التأثير عندها أو بها باذن الله تعالى بل حكمه حكم من قال : إن النار محرقة والماء مرو مثلا ، ولا فرق بين القولين إلا بماعسى أن يقال: إن التأثير فى نحو النار والماء أمر محسوس مشاهد والتأثير فى الكواكب ليس كذلك والقول به رجم بالغيب لكن ذلك بعد تسليمه لا يوجب كون أحد القولين كفرا دون الآخر بما لا يخفى على المنصف ، ومع هذا الاحوط عدم اطلاق نسبة التأثير إلى الكواكب والتجنب عن التلفظ بنحو ما أكفر الله سبحانه المتلفظ به هذا (واذا) الأولى شرطية والثانية فجائية رابطة للجواب، وتنكير (مكر) للتفخيم ، و (في) متعلقة بالاستقرار الذي تتعلق به اللام . و قل الله اسرع مكرا ) أى منكم فأسرع أفعل تفضيل وهم وهو مأخوذ إما من سرع الثلاثي كما حكاه الفارسي أو من أسرع المزيد إلا أن فى أخذ أفعل من المزيد خلافا فمنهم من منعه مطلقا ومنهم من جوزه مطلقا ومنهم من قال : إن كانت الهمزة للتعدية امتنع والاجاز ومثله في ذلك بناء التعجب ، ووصف المفضل عليه بالسرعة دل عليه المفاجأة على أن صحة استعمال أسرع فى ذلك لا يتوقف على دلالة الكلام على ماذكر خلافا لما يقتضيه ظاهر كلام الزمخشري ، وأصل المسكر اخفاء الكيد و المضرة، والمراد به الجزاء و العقوبة على المكر مجاز امر سلا أو مشاكلة وهى لا تنافيه كما في شرح المفتاح، وقد شاع أنه لا يستعمل فيه تعالى الا على سبيل المشاكلة وليس بذاك كما حقق في موضعه ( إن رُسُلَنَا ) الحفظة من قبلنا على أعمالكم و يَكْتُبُونَ مَاتَهُ كُرُونَ ٢١ ١ - مكركم أو ما تمكرونه ، وكيفية كتابة ذلك ما لا يلزم العلم به ولا حاجة إلى جعل ذلك مجازا عن العلم، وهذا تحقيق للانتقام منهم وتنبيه على أن مادبروا في إخفائه غير خاف على الكتبة فضلا عن منزل الكتاب الذي لا تخفى عليه خافية . وفى ذلك تجهيل لهم كما لا يخفى ، والظاهر أن الجملة ليست داخلة في الكلام الملقن كقوله تعالى : ( ولو جئنا بمثله مددا ) وهي تعليل الأسرعية مكره سبحانه وتعالى ، وجوز أن تكون داخلة في ذلك وفى ,
صفحة:روح المعاني11.pdf/94
المظهر