تفسير روح المعاني فاختلفوا بأن كفر بعضهم وثبت الآخرون على ماهم عليه فخالف كل من الفريقين الآخر، والفاء للتعقيب وهي لا تنافى امتداد زمان الاتفاق إذ المراد بيان وقوع الاختلاف عقيب انصرام مدة الاتفاق لا عقيب حدوثه ( ولولا كلمة سبقت من ربكم بتأخير القضاء بينهم أو العذاب الفاصل بينهم إلى يوم القيامة فانه يوم الفصل والجزاء القضى بينهم ) عاجلا فيما فيه يختلفون ١٩) بأن ينزل عليهم آيات ملجنة إلى اتباع الحق ورفع الاختلاف أو بأن يهلك المبطل ويبقى المحق، وصيغة الاستقبال لحكاية الحال الماضية والدلالة على الاستمرار، ووجه ارتباط الآية بما قبلها أنها كالتأكيد لما أشار اليه من أن التوحيد هو الدين الحق حيث أفادت أنه ملة قديمة اجتمعت عليها الامم قاطبة وأن الشرك وفروعه جهالات ابتدعها الغواة خلافا للجمهور وشقا لمصا الجماعة، وقيل: وجه ذلك أنه سبحانه بين فيها قبل فساد القوم بعبادة الاصنام وبين فى هذه أن هذا المذهب ليس مذهباً للعرب من أول الامريل كانوا على الدين الحق الخالى عن عبادة الاصنام وإنما حدثت فيهم عبادتها بتسويل الشياطين قيل : و الغرض من ذلك أن العرب إذا علموا أن ما هم عليه اليوم لم يكن من قبل فيهم وإنما حدث بعد أن لم يكن لم يتعصبوا لنصرته ولم يتأذوا من تزييفه وابطاله . وعن الكلبي أن معنى كونهم أمة واحدة اتفاقهم على الكفر وذلك في زمن ابراهيم عليه الصلاة والسلام ، وروى مثله عن الحسن إلا أنه قال : كانوا كذلك من لدن وفاة آدم الى زمن نوح عليهما السلام ثم آمن من آمن و بقى من بقى على الكفر . وفائدة إيراد هذا الكلام في هذا المقام تسليته وكأنه قيل : لا تطمع فى أن يصير كل من تدعوه الى الايمان والتوحيد مجيبا لك قابلا لدينك فان الناس كلهم كانوا على الكفر وانها حدث الايمان فى بعضهم بعد ذلك فكيف تطمع في إتفاق الكل عليه . واعترض بأنه يلزم على هذا خلو الأرض فى عصر عن مؤمن بالله تعالى عارف به وقد قالوا: إن الأرض في كل وقت لا تخلو عن ذلك . وأجيب بأن عدم الخلو في حيز المنع فقد ورد في بعض الآثار أن الناس قبل . يوم القيامة ليس فيهم من يقول الله الله ، وعلى تقدير التسليم المراد بالاتفاق على الكفر اتفاق الاكثر. والحق أن هذا القول في حد ذاته ضعيف فلا ينبغي التزام دفع ما يرد عليه ، وأضعف منه بل لا يكاد يصح كون المراد أنهم كانوا أمة واحدة فاختلفوا بأن أحدث كل منهم مسلة على حدة من ملل الكفر مخالفة لملة الاخر لأن الكلام ليس فى ذلك الاختلاف إذ كل م من الفريقين مبطل حينئذ فلا يتصوران يقضى بينهما بابقاء المحق وإهلاك المبطل أو بالجاء أحدهما إلى اتباع الحق ليرتفع الاختلاف كما لا يخفى هذا . ومن باب الاشارة فى الآيات ) (الر) - - إشارة إلى الذات الذي هو أول الوجود و لوجود و (ل) إشارة الى العقل المسمى جبريل عليه السلام وهو أوسط الوجود الذى يستفيض من المبدأ ويفيض إلى المنتهى، و(ر) إشارة إلى الرحمة التى هى الذات المحمدية وهى فى الحقيقة أول ووسط و آخر لكن الاعتبارات مختلفة ، وكأن ذلك قسم منه تعالى بالحقيقة المحمدية على أن ما تضمنته السورة أو القرآن من الآى آيات الكتاب المتقن وقيل : المعنى ما أشير اليه بهذه الأحرف أركان كتاب الكل ذى الحكمة أو المحكم ومعظم تفاصيله (أكان للناس عجبا أن أوحينا إلى رجل منهم ( انكار لتعجبهم من سنة الله الجارية وهى الايحاء إلى رجل ، وكان ذلك ليعدهم عن مقامهم وعدم مناسبة جالهم لحاله ومنافاة ما جاء به لما اعتقدوه ( ان أنذر الناس) أي خوفهم
صفحة:روح المعاني11.pdf/90
المظهر