٨٤ تفسير روح المعاني ليس فيه ما نستبعده من البعث وتوابعه أو ما نكرهه من ذم آلهتنا والوعيد على عبادتها ( او بدله ) بأن تجمل مكان الآية المشتملة على ذلك آية ،أخرى ، ولعلهم إنما سألوا ذلك كيداً وطمعا في إجابته عليه الصلاة والسلام ليتوسلوا إلى الالزام والاستهزاء وليس مرادهم أنه عليه الصلاة والسلام لو أجابهم آمنوا وقل ) أيها الرسول لهم ) مَا يَكُونُ لى أن أبدله ( المصدر فاعل يكون وهى من كان التامة ، وتفسر بوجد ونفى الوجود قد يراد به نفى الصحة فان وجود ماليس بصحيح كلا وجود جود، فالمعنى هنا ما يصح لى أصلا تبديله ( من تلقاء نفسى) أى من جهتى و من عندى . وأصل تلقاء مصدر على تفعال التاء و لم يحى مصدر بكسرها غيره وغير تبيان في المشهوره وقرئ شاذا بالفتح وهو القياس فى المصادر الدالة على التكرار كالتطواف والتجوال ، وقد هنا خرج من ذلك إلى الظرفية المجازية والجر بمن لا يخرج الظرف عن ظرفيته ولذا اختصت الظروف الغير المتصرفة كعند بدخولها عليها . و من الناس من وهم في ذلك وقصر الجواب ببيان امتناع ما أقترحوه على اقتراحهم الثاني للايذان بأن استحالة ما اقترحوه أولا من الظهور بحيث لا حاجة إلى بيانها ولأن ما يدل على استحالة الثانى يدل على استحالة الأول بالطريق الأولى فهو بحسب المآل والحقيقة جواب عن الامرين ( إن اتبع ) أي ما اتبع فيهما آتي وأذر إلا ما يوحى إلى )) من غير تغيير له في شئ أصلا على معنى قصر حاله عليه الصلاة والسلام على اتباع ما يوحى لا قصر اتباعه على ما يوحى اليه كما هو المتبادر من ظاهر العبارة فكأنه قيل : ما أفعل إلا اتباع ما يوحى إلى ، والجملة مستأنفة بيانا لما يكون فان من شأنه اتباع الوحى على ما هو عليه لا يستقل بشيء دونه أصلا ، وفي ذلك على ماقيل جواب لنقض مقدر وهو أنه كيف هذا وقد نسخ بعض الآيات ببعض ، ورد لما عرضوا له بهذا السؤال من أن القرآن كلامه صلى الله تعالى عليه وسلم ، وكذا تقييد التبديل فى الجواب بقوله : ( من تلقاء نفسى) لرد تعريضهم بأنه من عنده عليه الصلاة والسلام ولذلك أيضا سماه عصيدا باعظيما مستتبعالعذاب عظيم بقوله عز وجل: ) إني أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يوم عظيم ١٥ ) وهو تعليل المضمون، اقبله من امتناع التبديل واقتصار أمره صلى الله تعالى عليه وسلم على اتباع الوحى أى إلى أخاف إن عصيته تعالى بتعاطى التبديل والاعراض عن الوحى عذاب يوم عظيم هو يوم القيامة و يوم اللقاء الذي لا يرجونه ، وفيه إيماء بأنهم استوجبوا العذاب بهذا الاقتراح لأن اقتراح ما يوجبه يستوجبه أيضا و إن لم يكن كفعله ، ، والتعرض لعنوان الربوبية مع الاضافة لضميره عليه الصلاة والسلام لتهويل أمر العصيان و اظهار كمال نزاهته ، وفى إيراد اليوم بالتنوين التفخيمي ووصفه بعظيم ما لا يخفى مافيه من العذاب وتفظيعه، وجوز العلامة الطيبي كون الجواب المذكور جوا با عن الاقتراحين من غير حاجة إلى شيء وذلك بحمل التبديل فيه على ما يعم تبديل ذات بذات أخرى كبدلت الدنانير دراهم وهو الذي أشاروا اليه بقولهم: (أنت بقرآن غير هذا وتبديل صفة بصفة أخرى كبدلت الخاتم حلقة وهو الذي أشاروا اليه بقولهم : (أو بدله) . وأورد عليه بأن تقييد التبديل بقوله سبحانه : (من تلقاء نفسى) يمنع حمله على الاعم لأنه يشعر بأن ذلك مقدور له صلى الله تعالى عليه وسلم ولكن لا يفعله بغير اذنه تعالى والتبديل الذي أشاروا اليه أولا غير مقدور له عليه الصلاة والسلام حتى أن المقترحين يعلمون استحالة ذلك لكن اقترحوه -
صفحة:روح المعاني11.pdf/84
المظهر