٦١ مبحث في تفسير قوله تعالى : ( أكان للناس عجبا أن أوحينا إلى رجل منهم) الخ (لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم) وفى بعض الآثار أنهم كانوا يقولون: العجب أن الله تعالى ابجد رسولا يرسله إلى الناس إلا يتيم أبى طالب والعجب من فرط جهلهم أما في قولهم الأول فحيث لم يعلموا أن بعث الملك إيما يكون عند كون المبعوث اليهم ملائكة كما قال تعالى : ( قل لو كان في الأرض ملائكة يمشون مطمئنين لنز لنا عليهم من السماء ملكا رسولا ) وأما عامة البشر فبمعزل عن استحقاق مفاوضة الملائكة لأنها منوطة بالتناسب فبعث الملك اليهم مزاحم للحكمة التي عليها يدور فلك التكوين والتشريع وإنما الذي تقتضيه بعث الملك ا من بينهم إلى الخواص المختصين بالنفوس الزكية المؤيدين بالقوة القدسية المتعلقين بكلا العالمين الروحاني والجسماني ليتأتى لهم الاستفاضة والافاضة وهذا تابع للاستعداد الأولى ما لا يخفى، وأما في قولهم الثانى فلان مناط الاصطفاء للايجاء إلى شخص هو التقدم فى الاتصاف بما علمت والسبق في إحراز الفضائل وحيازة الملكات السنية جبلة واكتسابا ، ولاريب لأحد فى أن للنبي القدح المعلى من ذلك بل له عليه الصلاة والسلام فيه غاية الغايات القاصية ونهاية النهايات النائية يقول رائيه . وأحسن منك لم تر قط عيني ومثلك قط لم تلد النساء الحكمة خلقت مبرأ من كل عيب كأنك قد خلقت كما تشاء وكذا يقول : ولو صورت نفسك لم تزدها على مافيك من كرم الطباع " وأما التقدم في الرياسة الدنيوية والسبق فى نيل الحظوظ الدنية فلا دخل له في ذلك قطعا بل له اخلال به غالبا، وما أحسن قول الشافعى رضى الله تعالى عنه من أبيات : لكن من رزق الحجا حرم الغنى ضدان مفترقان أي تفرق وماذكروه من اليتم ان رجع إلى ما في الآية على التوجيه الثانى فبطلانه بطلانه وإن أرادوا أن أصل اليتم مانع من الايحاء اليه صلى الله تعالى عليه وسلم فهو أظهر بطلانا وأوضح هذيانا وما ألطف ما قيل إن أنفس الدر يقيمه ، وقيل للحسن : لم جعل الله تعالى النبي صلى الله تعالى عليه وسلم يتيما؟ فقال: لئلا يكون المخلوق عليه منة فان الله سبحانه هو الذى آواه وأدبه و رباه صلى الله تعالى عليه وسلم (هذا) والوجه الثاني من الوجهين السابقين في قوله سبحانه : (إلى رجل منهم على الوجه الذى ذكر ناه هو الذي أراده صاحب الكشاف ولم يرتضه الجلال السيوطى وزعم ان التحامى عنه أولى ، ثم قال : والذي عندى فى تفسير ذلك أن المراد إلى مشهور بينهم يعرفون قضيه وجلالته وأمانته وعفته كما قال سبحانه : في آخر السورة التي قبل ( لقد جاءكم رسول من أنفسكم ) فان محل انكار العجب ويكون هذا وجه مناسبة وضع هذه السورة بعد تلك واعتلاق أول هذه باخر تلك، ونظيره ( ولقد جاءهم رسول منهم فكذبوه) (ربنا وابعث فيهم رسولا منهم) إلى آخر ماقال ، وتعقب بأنه غير ظاهر لأنه وإن كان أعظم مما ذكر لكن السياق يقتضى بيان كفرهم وتذليلهم وتحقير من أعزه الله تعالى وعظمه والذى يقتضيه سبب النزول تعين الوجه الأول هنا . فقد أخرج ابن جرير . وغيره عن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما قال : لما بعث الله تعالى محمداً صلى الله تعالى عليه وسلم رسولا أنكرت العرب ذلك أو من أذكر منهم في فقالوا: الله تعالى أعظم من أن يكون رسوله بشراً مثل محمد عليه الصلاة والسلام فأنزل سبحانه (أ كان للناس عجبا أن أوحينا إلى رجل منهم) الآية ، وقوله تعالى : (وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا) الآية * هذا هو
صفحة:روح المعاني11.pdf/61
المظهر