انتقل إلى المحتوى

صفحة:روح المعاني11.pdf/59

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.
٥٩

تفسير قوله تعالى : ( تلك ايات الكتاب الحكيم ) والاكثرون على أنها اسم للسورة فمحلها الرفع على أنها خبر لمبتدأ محذوف أى هذه السورة مسماة بكذا وهو أظهر من الرفع على الابتداء لعدم سبق العلم بالتسمية بعد فحقها الاخبار بها لاجملها عنوان الموضوع لتوقفه على علم المخاطب بالانتساب ، والاشارة اليها قبل جريان ذكرها لصيرورتها في حكم الحاضر لاعتبار كونها على جناح الذكر كما يقال في الصكوك: هذا ما اشترى فلان ، وجوز النصب بتقدير فعل لائق بالمقام كا ذكر واقرأ وكلمة تلك ) إشارة اليها أما على تقدير كون (الر) مسرودا على نمط التعديد فقد نزل حضور مادتها منزلة ذكرها فأشير اليها كأنه قيل : هذه الكلمات المؤلفة من جنس هذه الحروف المبسوطة الخ ، وأما على تقدير كونها اسما للسورة فقد نوهت بالاشارة اليها بعد تنويهها بتعيين اسمها أو الأمر بذكرها أو بقراءتها . وما في اسم الاشارة من معنى البعد للتنبيه على بعد منزلتها في الفخامة ومحله الرفع على أنه مبتدأخبره قوله عز و جل: ايات الكتاب ) وعلى تقديركون (الر) مبتدأ فهو إما مبتدأ ثان أو بدل من الأول، والمعنى هي آيات مخصوصة منه مترجمة باسم مستقل ، والمقصود ببيان بعضيتها منه وصفيتها بما أشير إلى اتصافه به من النعوت الفاضلة والصفات الكاملة ، والمراد بالكتاب إما جميع القرآن العظيم وإن لم ينزل بعد إما باعتبار تعينه وتحققه في العلم أو في اللوح أو باعتبار نزوله جملة إلى بيت العزة من السماء الدنيا و إما جميع القرآن النازل وقتئذ المتفاهم بين الناس إذ ذاك فانه كما يطلق على المجموع الشخصى يطلق على مجموع مانزل في كل كذا قال شيخ الاسلام * وأنت تعلم أن المشهور عن السلف تفويض معنى (الر) وأمثاله الى الله تعالى وحيث لم يظهر المراد منها لا معنى للتعرض لاعرابها ، وقد ذكروا أنه يجوز فى الاشارة أن تكون لآيات هذه السورة وان تكون لآيات القرآن ويجوز في الكتاب أن يراد به السورة وأن يراد القرآن فتكون الصور أربعا . إحداها الاشارة إلى آيات القرآن والكتاب بمعنى السورة ولا يصح إلا بتخصيص ايات أو تأويل بعيد . وثانيها عكسه ولا محذور فيه ، وثالثها الاشارة إلى آيات السورة والكتاب بمعنى السورة . ورابعها الاشارة الى آيات القرآن والكتاب بمعنى القرآن ، ومرجع افادة الكلام عليهما باعتبار صفة الكتاب الآنية ، وجوز الاشارة الى الآيات لكونها في حكم الحاضر وإن لم تذكر كما في المثال المذكورا نفا . وفى أمالي ابن الحاجب ان المشار اليه لا يشترط ان يكون موجوداً حاضرا بل يكفى أن يكون موجودا ذهنا . وفى الكشاف في تفسير قوله تعالى : (هذا فراق بيني وبينك ) ما يؤيده ، وأوثر لفظ تلك لما أشار اليه الشيخ ولكونه فى حكم الغائب من وجه ولا يخلو ما ذكروه عن دغدغة، وأما حمل الكتاب على الكتب التى خلت قبل القرآن من التوراة والانجيل وغيرهما كما أخرجه ابن أبي حاتم عن قتادة فهو في غاية البعد فتأمل، وقوله تعالى : ( الحكيم () صفة للكتاب ووصف بذلك لاشتماله على الحكم فيراد بالحكيم ذو الحكمة على انه للنسبة كلابن وتامر ، وقد يعتبر تشبيه الكتاب بانسان ناطق بالحكمة على طريق الاستعارة بالكناية وإثبات الحكمة قرينة لها ، وجوز أن يكون وصفه بذلك لأنه كلام حكيم فالمعنى حكيم قائله فالتجوز فى الاسناد كليله قائم ونهاره صائم ، وقيل : لأن آياته محكمة لم ينسخ منها شئ أى بكتاب اخر ففعيل بمعنى مفعل وقد تقدم ماله وما عليه أكَانَ النَّاسِ عَجَباً } الهمزة لانكار تعجبهم ولتعجيب السامعين منه لوقوعه في غير محله ، والمراد بالناس كفار العرب ، والتعبير عنهم باسم