انتقل إلى المحتوى

صفحة:روح المعاني11.pdf/56

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.
٥٦
تفسير روح المعاني

07 تفسير روح المعاني ورفعوا الوسائط ) ثم تاب عليهم ( حيث رأى سبحانه انقطاعهم اليه وتضرعهم بين يديه، وقد جرت عادته تعالى مع أهل محبته إذا صدر منهم ما ينافى مقامهم بأدبهم بنوع من الحجاب حتى إذا ذا قواطعم الجناية واحتجبوا عن المشاهدة وعراهم ما عراهم بما أنساهم دنياهم وأخراهم أمطر عليهم وأبل سحاب الكرم وأشرق على آفاق أسرارهم أنوار القدم فيؤنسهم بعد يأسهم ويمن عليهم بعد قنوطهم ) وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا ) ، وما أحلى قوله : هجروا والهري و ، وصال و هيجر هكذا سنت الغرام الملاح ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ) فى جميع الرذائل بالاجتناب عنها ( وكونوا مع الصادقين ) نية وقولا وفعلا أي اتصفوا ما اتصفوا به من الصدق ، وقيل : خالطوهم لتكونوا مثلهم فكل قرين بالمقارن يقتدى . وفسر بعضهم الصادقين بالذين لم يخلفوا الميثاق الأول فانه أصدق كلمة ، وقد يقال : الأصل الصدق في عهد الله كما قال تعالى : ( رجال صدقوا ما عاهدوا الله ثم فى عقد العزيمة ووعد الخليقة كما قال سبحانه في اسماعيل: ( إنه كان صادق الوعد ) وإذا روعى الصدق في المواطن كلها كالخاطر والفكر والنية والقول والعمل صدقت المنامات والواردات والاحوال والمقامات والمواهب و المشاهدات فهو أصل شجرة الكمال وبذر ثمرة الاحوال وملاك كل خير وسعادة و وضده الكذب فهو أسوأ الرذائل وأقبحها وهو منا في المروءة يا قالوا: لا مروأة لكذوب (وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا فى الدين) إشارة إلى أنه يجب على كل مستعد من جماعة سلوك طريق طلب العلم إذ لا يمكن لجميعهم أما ظاهرا فلفوات المصالح وأما باطنا فلعدم الاستعداد للجميع . والفقه من علوم القلب. وهى إنما تحصل بالتزكية والتصفية وترك المألوفات واتباع الشريعة، فالمراد من النفر السفر المعنوى وهذا هو العلم النافع ، وعلامة حصوله عدم خشية أحد . سوى الله تعالى ، ألا ترى كيف نفى الله من خشى غيره سبحانه الفقه فقال : (لأنتم أشد رهبة في صدورهم من الله ذلك بأنهم قوم لا يفقهون) وعلى هذا فحق المثلى أن ينوح على نفسه، وقد صرح بعض الاكابر أن الفقه علم راسخ في القلب، ضاربة عروقه في النفس، ظاهر أثره على الجوارح لا يمكن لصاحبه أن يرتكب خلاف ما يقتضيه إلا إذا غلب القضاء والقدر، وقد أنزل الله تعالى كما قيل على بعض أنبياء بني إسرائيل عليهم السلام: لا تقولوا العلم بالسماء من ينزل به ولا فى تخوم الأرض من يصعد به ولا من وراء البحر من يعبر ويأتى به العلم مجعول في قلوبكم تأدبوا بين يدى باداب الروحانيين و تخلقوا بأخلاق الصديقين، أظهر العلم من قلوبكم حتى يغمر كم و يعطيكم . وجاء من أتقى الله أربعين صباحا تفجرت يتابع الحكمة من قلبه ، وإذا تحققت ذلك علمت أن دعوى قوم اليوم الفقه بالمعنى الذي ذكرناه مع تهافتهم على المعاصي تهافت الفراش على النار وعقدهم الحلقات عليها دعوى كاذبة مصادمة للعقل والنقل و هيهات أن يحصل لهم ذلك الفقه ما داموا على تلك الحال ولو ضربوا رءوسهم بألف صخرة صماء ، وعطف سبحانه قوله : (ولينذروا قومهم إذا رجعوا اليهم على قوله تعالى: ( ليتفقهوا ) إشارة إلى أن الانذار بالفضائل إذ هو الذي يرجى نفعه : ابدأ بنفسك فانها عن غيها فاذا أنتهت عنه فأنت حكيم فهناك يسمع ما تقول ويقتدى بالقول منك وينفع التعليم بعد التفقه والتحلى ولذا قال جل وعلا : (لعلهم يحذرون ) وقوله تعالى: ( يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار)