٤٠ تفسير روح المعانى
- 709
في كل ، وظاهر الاطلاق الحقيقة ، وفى الآية مالا يخفى من التحريض والبعث على التوبة للناس كارم ) الذين اتبعوه ) ولم يتخلفوا عنه صلى الله تعالى عليه وسلم ( فى ساعة العسرة ) أى في وقت الشدة والضيق ، والتعبير عنه بالساعة لزيادة تعيينه وكانت تلك الشدة حالهم فى غزوة تبوك فانهم كانوا في شدة من الظهر يعتقب العشرة على بعير واحد وفى شدة من الزاد تزودوا التمر المدود والشعير المسوس و الاهالة الزنخة و بلغت بهم الشدة أن قسم التمرة اثنان ، وربما مصها الجماعة ليشربوا عليها الماء كما روى عن قتادة ، وفى شدة من الماء حتى نحروا الابل واعتصروا فروتها كما روى عن عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه ، وفي شدة زمان من حمارة القيظ ومن الجدب والقحط، ومن هنا قيل لتلك الغزوة غزوة العسرة و لجيشها جيش العسرة . ووصف المهاجرين والأنصار بالاتباع في هذه الساعة للاشارة إلى أنهم حريون بأن يتوب الله عليهم لذلك وفيه أيضا تأكيد لأمر التحريض السابق ومن بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم ) بيان لتناهى الشدة وبلوغها الغاية القصوى وهو اشراف بعضهم إلى أن يميلوا إلى التخلف عن ! النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ، وقيل : هو اشراف بعضهم إلى أن يميلوا عن الثبات على الايمان وحمل ذلك على مجرد الهم والوسوسة ، وقيل: كان ميلا من ضعفائهم وحديثى عهدهم بالاسلام . وفى ( كاد) ضمير الشأن و ( قلوب) فاعل ( يزيغ) والجمله في موضع الخبر لكاد ولا تحتاج الى رابط لكونها خبرا عن ضمير الشأن وهو المنقول عن سيبويه وإضمار الشان على ما نقل عن الرضى ليس بمشهور في أفعال المقاربة الافى كاد وفى الناقصة إلا في كان وليس، وجوز أن يكون اسم كاد ضمير القوم والجملة في موضع الخبر أيضا والرابط عليه الضمير فى (منهم) وهذا على قراءة ( يزيغ) بالياء التحتانية وهى قراءة حمزة. وحفص والأعمش وأما على قراءة (تزيخ) بالتاء الفوقانية وهى قراءة الباقين فيحتمل أن يكون (قلوب) اسم كاد و(تزيغ) خبرها وفيه ضمير يعود على اسمها ولا يصح هذا على القراءة الأولى لتذكير ضمير يزيغ، وتأنيث ما يعود اليه وقد ذكر هذا الوجه منتخب الدين الهمداني وأبو طالب المكى. وغيرهما، وتعقبه في الكشف بان في جعل القلوب اسم كاد خلاف وضعه من وجوب تقديم اسمه على خبره كما ذكره الشيخ ابن الحاجب في شرح المفصل وفى البحر أن تقديم خبر كاد على اسمها مبنى على جواز تركيب كان يقوم زيدو فيه خلاف والأصح المنع وأجاب بعض فضلاء الروم بان أبا على جوز ذلك و كفى به حجة ، وبأن عليه كلام ابن مالك في التسهيل وكذا كلام شراحه ومنهم أبو حيان وجرى عليه في ارتشافه أيضا ، ولا يعبأ بمخالفته في البحر اذ ذلك القياس على باب كان وهو لا يصادم النص عن أبى على ، على أن في كون أبي حيان من أهل القياس منعا ظاهرا فالحق الجواز ، ويحتمل أن يكون اسم ناد ضميرا يعود على جمع المهاجرين والأنصار أي من بعد ما كاد الجمع ، وقدر ابن عطية مرجع الضمير القوم أى من بعد ما كاد القوم . وضعف بانه اضمر فى كاد لا يعود الا على متوهم، وبان خبرها يكون قد رفع سبيا وقد قالوا : إنه لا يرفع الاضمير عائدا على اسمها وكذا خبر سائر اخواتها ما عدا عسى فى رأى ، ولا يخفى ورود هذا أيضا على توجيهي القراءة الأولى لكن الامر على التوجيه الأول سهل . وجوز الرضى تخريج الآية على التنازع وهو ظاهر على القراءة الثانية ويتعين حينئذ اعمال الأول اذ لو أعمل الثانى لوجب أن يقال في الأول ( كادت ) لما قرأ به مبنى ضمير الله تعالى عنه