٢٨ تفسير روح المعاني وقيل بيان لنفس الاشتراء وقيل: ذكر لبعض ما شمله الكلام السابق اهتماما به على أن معنى ذلك أنه تعالى اشترى من المؤمنين أنفسهم بصرفها في العمل الصالح وأموالهم يبذلها فيما يرضيه وهو في جميع ذلك . خبر لفظا ا ومعنى ولا محل له من الأعراب ، وقيل : إنه في معنى الامر كقوله سبحانه : (تجاهدون بأموالكم وأنفسكم) ووجه ذلك بأنه أتى بالمضارع بعد الماضى لافادة الاستمرار كأنه قيل : اشتريت منكم أنفسكم في الازل وأعطيت ثمنها الجنة فسلموا المبيع واستمروا على القتال، ولا يخفى مافى بعض هذه الأقوال من النظر . وانظر هل ثم مانع من جعل الجملة فى موضع الحال كأنه قيل : اشترى منهم ذلك حال كونهم مقاتلين في سبيله فإني لم أقف على من صرح بذلك مع أنه أوفق الأوجه بالاستمارة التمثيلية تأمل . وقوله سبحانه : ( فيقتلون ويقتلون ( بيان لكون القتال في سبيل الله تعالى بذلا للنفس وأن المقاتل في سبيله تعالى باذل لها وإن كانت سالمة غائمة ، فان الاسناد في الفعلين ليس بطريق اشتراط الجمع بينهما ولا اشتراط الاتصاف بأحدهما البتة بل بطريق وصف الكل بحال البعض ، فانه يتحقق القتال . الكل سواء وجد من الفعلان أو أحدهما منهم أو من بعضهم بل يتحقق ذلك وإن لم يصدر منهم أحدهما أيضا أنا إذا وجد المضاربة ولم يوجد القتل من أحد الجانبين ، ويفهم كلام بعضهم أنه يتحقق الجهاد بمجرد العزيمة والنفير وتكثير السواد و إن لم توجد مضاربة وليس بالبعيد لما أن فى ذلك تعريض النفس للهلاك أيضا، والظاهر أن أجور المجاهدين مختلفة قلة و كثرة وان كان هناك قدر مشترك بينهم . ففى صحيح مسلم قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم : «ما من غازية تغزو في سبيل الله فيصيدون الغنيمة الاتعجلوا على أجرهم من الآخرة و يبقى لهم الثلث وإن لم يصيبوا غنيمة تم لهم أجرهم » . وفي رواية أخرى « ما من غازية أو سرية تغزو فتغنم وتسلم إلا كانوا قد تعجلوا ثلتى أجورهم وما من غازية أو سرية تحنق وتصاب الا أتم أجورهم » . وزعم بعضهم أنهم في الاجرسواء ولا ينقص أجرهم بالغنيمة ، واستدلوا عليه بما في الصحيحين من أن المجاهد يرجع بما نال من أجر وغنيمة ، و بأن أهل بدر غنموا وهم -هم- ويرد عليه أن خبر الصحيحين مطلق و خبر مسلم مقيد فيجب حمله عليه، وبأنه لم يجيء نص فى أهل بدر أنهم لو لم يغنموا لسكان أجرهم على قدر أجرهم وقد غنموا فقط ، وكونهم هم هم لا يلزم منه أن لا يكون وراء مرتبتهم مرتبة أخرى أفضل منها ، والقول بأن في السند أبا هاني. وهو مجهول فلا يعول على خبره غلط فاحش فانه ثقة مشهور روى عنه الليث بن سعد . وحيوة ، وابن وهب ، وخلائق من الأئمة ، ويكفى فى توثيقه احتجاج مسلم به في صحيحه ، ومثل هذا ما حكاه القاضي عن بعضهم من أن تعجل ثلى الأجر إنما هو في غنيمة أخذت على غير وجهها إذ لو كانت كذلك لم يكن ثلث الاجر ، و كذا ما قيل : من أن الحديث محمول على من خرج بنية الغزو والغنيمة معا فان ذلك ينقص ثوابه لا محالة ، فالصواب أن أجر من لم يغنم أكثر من أجر من غنم لصريح ما ذكرناه الموافق لصرائح الاحاديث الصحيحة المشهورة عن الصحابة رضى الله تعالى عنهم . ويعلم من ذلك أن أجر من قتل أكثر من أجر من قتل لكون الأول من الشهداء دون الثاني ، وظاهر ما أخرجه مسلم من رواية أبى هريرة « من قتل في سبيل الله تعالى فهو شهيد و من مات في سبيل الله تعالى فهو شهيد » أن القتل في سبيل الله تعالى والموت فيها سواء فى الأجر وهو الموافق لمعنى قوله تعالى (ومن يخرج من بينه مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله ) واستدل له أيضاً بعض
صفحة:روح المعاني11.pdf/28
المظهر